تم إغلاق المنتدي عن المشاركات الجديدة ويعتد بة كأرشيف فقط, |
|
|
19-06-2012, 10:42 PM
|
#12
|
|
23- ماقبل سقوط دولة بني خالد ومابعده من أحداث سياسيه وهجرات:
نذكر في هذا القسم بشكل موجز بعض أبرز الأحداث التي أثرت في الفترة التاريخية التالية والتي يغطيها الفصل التالي من البحث ، وسوف يكون التركيز الأكبر في هذا الفصل على الحدث الأهم والذي أثر في تاريخ المنطقة وهو سقوط دولة بني خالد ، وفي الفصل التالي سوف نتحدث على ماترتب على هذا الحدث.
أولا: شمر الجربا
شاركت بادية قبيلة شمر وقبيلة مطير في حملة حاكم الحجاز الشريف غالب على نجد عام 1205هـ ، وبعد عودته الى مكة اتفقت قبيلة مطير مع بادية شمر على مهاجمة بعض القرى في جبل شمر ، وقد قام أهل تلك القرى بمراسلة حاكم الدولة السعودية الأولى الإمام عبدالعزيز بن سعود ، يذكر مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب (مؤلف مجهول) ، ص: 99 ((( ثم ان عرب الشريف ، الذين كانوا ملتجئين به من بداة نجد ، تفرقوا عنه راجعين الى أطراف نجد. فقحطان احتازوا الى تثليث ، وعتيبه الى برية مكة ، ، كركبه ومايليها . أما مطير فاحتازوا الى أرض شمر ، واتفقوا مع مطلق الجربى ، وبادية شمر جميعها ، التي في الجبل . وصار بينهم وبين أهل القرى التي في الجبل حرب . فأرسل أهل الجبل الى عبدالعزيز بن سعود أن هذا مطلق الجربى نكث والتجأت اليه مطير ، فهذا اليوم نحاربه))). وقد قام حاكم الدولة السعودية الأولى الامام عبدالعزيز بن سعود بإرسال ابنه سعود بجيش لمهاجمة شمر ومطير ، واستطاع الإمام سعود أن يهزم القبيلتين ، ولكن بينما هو في ميدان المعركة وصلته منهم رسل يدعونه للمنازلة ، لذلك ثبت لهم وحصلت معركة عنيفة (معركة العدوة) قتل بها الشيخ مسلط بن مطلق الجربا يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1205هـ ، ج:1 ، ص: 176 ((( وفيها وقعة العدوة ، وذلك أن كثير من البوادي الذين ساروا مع الشريف ، انفردوا عندما رجع الى مكة وأكثرهم من قبائل مطير وقبائل شمر . ماغاب من هاتين القبيلتين الا القليل ورئيسهم يومئذ حصان ابليس وانحازوا إلى الماء المعروف بالعدوة وهو مزروع لشمر قرب حائل فنهض إليهم سعود واستنفر أهل نجد البادي والحاضر ، فسار بالجنود المنصورة والخيل العتاق المشهورة وقصدهم في تلك الناحية ، فنازلهم ووقع بينهم قتال شديد ، فأنهزمت تلك البوادي وقتل منهم قتلى كثيرة من فرسانهم منهم: مسعود الملقب حصان إبليس ، وسمرة المشهور رئيس العبيات ، وأبو هليبة من مطير، وعدد كثير غيرهم ، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة من الابل والغنم والأثاث والأمتعة ، وأخذ جميع محلتهم ، وهذه الوقعة في أخر ذي الحجة ، فلما انهزم هؤلاء البوادي ، وأخذ المسلمون أموالهم استنفروا مايليهم من قبائلهم وغيرهم ممن لم يحضر الوقعة ، وأرسلوا الى سعود يدعونه للمنازلة ، وأنهم يريدون المسير عليه ، فثبت لهم واقبلوا أليه مقرنين الإبل ، وهو على العدوة يقسم الغنائم فساقوها على المسلمين فثبتوا لهم واوقدوا فيهم وفي ابلهم بالبارود والرصاص ، وكان مقدم البوادي مسلط بن مطلق الجرباء ، وكان قد نذر ان يجشم فرسه صيوان سعود ، فأراد أن يتم نذره وأرخى عنان فرسه ، فاختطفه المسلمون وضربه رجل بعود يشوى به القرص ، فطرحه عن جواده فقتل ، وانهزم تلك البوادي لايلوي أحد على أحد ، ولا والد على ماولد، وترجوا الابل مقرنة في الحبال ، وتبعهم المسلمون وأخذوا جميع أموالهم من الابل والغنم والأمتعه ، وقاموا في في أثرهم يومين يأخذون الأموال ويقتلون الرجال ، وحاز سعود جميع الغنائم ، الابل أحد عشر ألف بعير ، والغنم أكثر من مائة ألف ، وعزل الخمس وقسم باقيها في المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان))). بعد الخسارة الكبيرة في المعركة قرر الشيخ مطلق الجربا شيخ شمر الهجرة مع الكثير من بادية شمر الى العراق عام 1205هـ ، يذكر مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب (مؤلف مجهول) ، ص: 100 ((( فجلا مطلق الجربى الى العراق منذ ذلك اليوم))). واستقر هنالك مؤقتا في منطقة السماوة حتى العام 1212هـ ، حيث هاجمهم الإمام سعود بن عبدالعزيز وهزمهم مع عدة قبائل كانت معهم قرب السماوة ، وقتل في هذه المعركة شيخ شمر مطلق الجربا ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الإمام سعود بن عبدالعزيز، أحداث سنة 1212هـ ، ج:1 ، ص: 240 ((( ثم سار وقصد جهه السماوة فأتاه عيونه وأخبروه بعربان كثيره مجتمعين في الأبيض الماء المعروف قرب السماوه ، فوجه الرايات اليهم ونازلهم على مائهم ذلك ، وكانت تلك العربان كثيره من عربان شمر ، ورئيسهم مطلق بن محمد الجربا الفارس المشهور ومعه عدة من قبائل الظفير وعربان أل بعيج والزقاريط وغيرهم ، فدخل عليهم سعود في وادي الابيض المذكور ونازلهم ، فحصل بينهم قتال شديد وطراد خيل ، فساعة يهزمون بعض جنود المسلمين ، وساعة يهزمونهم وقتل من المسلمين عدة رجال في تلك المجاولات ، نحو خمسة عشر رجلا منهم : براك بن عبدالمحسن رئيس بني خالد ومحمد آل علي رئيس المهاشير ، ثم حمل عليهم المسلمون فدهموهم في منازلهم وبيوتهم ، فقتل عدة رجال من فرسان شمر وأل ظفير وغيرهم ، وكان مطلق الجربا على جواد سابق يطارد خيل المسلمين ، فعثر جواده في نعجه ، فأدركه خزيم بن لحيان رئيس السهول وفارسهم ، فقتله فأنهزمت تلك القبائل وغنم المسلمون أكثر محلتهم وابلهم وامتاعهم ))). وجدت قبيلة شمر نفسها مضطره بعد مقتل شيخها الى الهجرة الى ولاية بغداد وعبور النهر ، وهو الإجراء الذي تم بطلب من ولاية بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن هجرة شمر الى الجزيرة ، ج1، ص:220 (((فانه كان تدبيرا حكوميا بالدرجة الأولى، كما يقول روسو عميل فرنسا في بغداد، في واحدة من ملاحظاته:"انفصلت شمر الجرباء قبل حوالي عام عن الوهابيين، هربا من ضرائبهم المجحفة، وخضعت لحكومة بغداد، التي اذنت لها بعبور الفرات، كي تضمن انصياعها التام لها، وتقلع عن استفزازالوهابييين"))).
ثانيا: بني خالد
بدأت الدولة السعودية الأولى ومنذ العام 1203هـ ، بالإنتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم وذلك في صراعها مع دولة بني خالد ، حيث أدركت الدولة السعودية الأولى ان سقوط دولة بني خالد أصبح مسألة وقت فقط ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 319 ((( وهكذا فلم يحل عام 1203هـ / 1789م حتى أدركت الدرعية أن سقوط الأحساء واخضاع بني خالد لم يعد الا مسألة وقت ، خصوصا بعد أن شعرت بتفوقها العسكري الواضح على المعارضين من بني خالد ، فشرعت ولأول مرة بمهاجمة بني خالد في عقر دارهم متخلية عن استراتيجيتها الدفاعية في صراعها معهم))). وتعرضت دولة بني خالد منذ عام 1203هـ الى هجمات عسكرية قوية تكبدت على أثرها خسائر مادية وبشرية كبيرة ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 171 ((( ثم ورد سعود بالمسلمين ماء (الوفرا) فلما رحل منها صادف في طريقه ركبا من آل سحبان – من بني خالد – كبيرهم ابن مغجل ، وكانوا نحو تسعين رجلا ، فقتلهم جميعا. وسار سعود بالمسلمين يريد (الأحساء) ، فوصل (المبرز) فنازل أهلها وتراموا من بعيد. ثم رأى أن يتركهم فانصرف عنهم وسار الى (الهفوف) ، ولكنه لم يتوقف عندها ، بل واصل سيره الى قرية (الفضول) – في شرقي الأحساء – فشد المسلمون على القرية ، فانهزم أهلها ولم يستطيعوا الفرار لأن المسلمين ملكوا عليهم جميع الطرق. فالتجأوا الى بيوتهم وتحصنوا فيها ، فدخل المسلمون عليهم تلك البيوت وقتلوهم قتل النعم ، وكانوا ثلاثمائة رجل قتلوا جميعا. وأخذ المسلمون جميع مافي القرية مماينقل من المال وأنواع السلاح والحيوان والأمتعة والطعام – وكان شيئا كثيرا))). وبدأت الكفة تميل لصالح الدولة السعودية الأولى في مقابل عجز حكام دولة بني خالد عن السيطرة على أراضيهم ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 322 ((( وهكذا أصبحت قوات الدرعية تنتقل في مناطق بني خالد دون معارضة من قوات دويحس وابن سرداح التي آثرت الابتعاد عن المواجهة ممادفع بلدان بني خالد الى التقوقع داخل الأسوار بخطة دفاعية محضة))).
وفي عام 1204هـ كان الأمير زيد بن عريعر ومعه بعض عشائره قد طلبوا المساعدة من الدولة السعودية الأولى ضد الأمير عبدالمحسن بن سرداح و الأمير دويحس بن عريعر ، ووقعت بين الطرفين معركة كبيرة ( معركة غريميل) ، وخسرت فيها قوات دولة بني خالد خسائر كبيرة ، وهرب الأمير عبدالمحسن بن سرداح ومن معه الى مملكة المنتفق ، وتولى حكم بني خالد الأمير زيد بن عريعر ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد, أحداث سنة 1204هـ ، ج:1 , ص: 169 ((( ثم دخلت السنة الرابعة بعد المائتين والألف وفيها سار سعود بجنوده المنصورة ، والخيل العتاق المشهورة واستلحق معه عربان الظفير ، وعربان العارض ومعه زيد بن عريعر وجلوية بني خالد ، وقصد بني خالد ورئيسهم يومئذ عبدالمحسن بن سرداح وابن أخيه ودويحس بن عريعر وهم نازلون عند غريميل المعروف عند الأحساء فعدى عليهم ونازلهم ووقع القتال بينهم ثلاثة أيام ، ثم انهزم بنو خالد واتباعهم فكر المسلمون في ساقتهم يقتلون ويغنمون وحاز سعود من الابل والغنم والأمتعة والأثاث مالايعد ولايحصى ، وقتل عليهم قتلى كثيرة ، وأخذ خمس الغنيمة ، وقسم باقيها في المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان ، وهرب عبدالمحسن ومن معه الى المنتفق وأكثر العربان قصدوا الأحساء وبايعوا سعودا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة ، واستعمل سعود أميرا في بني خالد زيد بن عريعر واجتمعوا عليه))). وقد كان الامام سعود بن عبدالعزيز يرغب بالإستيلاء مباشرة على دولة بني خالد بعد المعركة ، الا ان قدر أنه في تلك الفترة لازال يحتاج الى الأمير زيد بن عريعر وقواته للسيطرة على الأحساء ، وعندها صرف النظر عن ذلك لمعارضة الأمير زيد بن عريعر لأي تحرك في هذا الاتجاه ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 324 ((( وماذكره ابن غنام من أن سعودا أراد الاستيلاء على الأحساء بعد ذلك مباشرة ولكن عدم تجاوب زيد معه واختلاقه للأعذار جعله يتراجع في النهاية ، يدل دلالة واضحة على أهمية وجود زيد وأتباعه من بني خالد عسكريا بالنسبة للدرعية اضافة الى أهمية انضمامه اليها ماديا ومعنويا وسياسيا. أدت معركة غريميل الى زيادة تسارع العد التنازلي للحكم الخالدي في المنطقة. ولولا مواجهة الدرعية لخصم جديد في الغرب وهو الشريف غالب ، لتمكنت من حسم الأمر نهائيا مع بني خالد كنتيجة لمعركة غريميل))). انشغلت الدولة السعودية الأولى عن دولة بني خالد حتى العام 1206هـ ، وذلك لإضطرارها التصدي لحملات حاكم الحجاز الشريف غالب ، ثم بعد ذلك هاجمت دولة بني خالد بحملة عسكرية قوية واحتلت عدة بلدات وحصلت على غنائم مادية كبيرة ، وكبدت دولة بني خالد خسائر بشرية كبيرة خصوصا في بلدة سيهات والتي قتل فيها ألف وخمسمائة رجل ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 179 ((( وفي سنة 1206سار سعود بالمسلمين الى (القطيف) يريد أن يطهر بلدانها من الأصنام والأوثان. فأحاط المسلمون ببلدة (سيهات) وحاصروها ، ثم تسوروها ، وقتلوا من وجدوا فيها – وكانوا نحو ألف وخمسمائة قتيل – واستولوا على جميع مافيها من الأموال التي لاتعد ولاتوصف. ثم قصد المسلمون (القديح) ، فدهموا أهلها ، واستولوا كذلك على مافيها من الأموال. فأصاب حينئذ الذعر بلدان القطيف ، فتهاوت أمام المسلمين ، فاستولوا على (العوامية) و (عنك) وغيرهما))).
وفي نفس السنة كان حاكم دولة بني خالد الأمير زيد بن عريعر وأخوانه قد أرسلوا للأمير عبدالمحسن بن سرداح يطلبون قدومه من مملكة المنتفق ويتعهدون له بالآمان ، ولما قدم اليهم قاموا بقتله ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، أحداث سنة 1206 هـ ، ج: 1 ، ص: 179 ((( وفيها قتل عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد بالقديم ، وذلك أن عبدالمحسن بعد وقعة غريميل المتقدمة هرب الى المنتفق ، وتولى في بني خالد زيد بن عريعر كما ذكرناه من قبل ، ثم ان زيد المذكور واخوانه أرسلوا الى عبدالمحسن وبذلوا له الصداقة والأمان، ووعدوه ومنوه ، حتى جاء اليهم واجتمع بهم فقتلوه في مجلسهم))). ونتيجة لذلك ثارت قبائل بني خالد وطردوا الأمير زيد بن عريعر وأخوانه وبايعوا الأمير براك بن عبدالمحسن السرداح ( ولد الأمير المقتول) ، وفي سنة 1207هـ ، هاجمت قوات الدولة السعودية الأولى قوات دولة بني خالد قرب الجهراء ، وانزلت بهم هزيمة كبرى (معركة الشيط) وكبدتهم خسارة أكثر من ألف مقاتل ، وفر حاكم دولة بني خالد الأمير براك بن عبدالمحسن وخيالته الى مملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1207هـ ، ص: 180 ((( وسار سعود بالمسلمين يريد بني خالد ، فلما أقترب منهم وجد آثار الجيوش والخيل غازية ، ولم يكن يعلم بما أحدثه براك وجماعته . وذلك أن براك بن عبدالمحسن تولى رئاسة بني خالد والأحساء بعد مقتل أبيه عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد ، فنهض بهم غازيا وورد على ماء (اللصافة) وأغار على سبيع وأخذ منهم ابلا كثيرة. فلما علم بذلك سعود استشار من معه: هل يقتفي آثار براك وبني خالد ، أو يقصد أهلهم ومحالهم وليس عندهم من يحول دونهم ويدافع عنهم. فأشاروا عليه بأن يعمد الى أهلهم فيصبحهم ويعود منتصرا غانما. فأبى سعود عليهم ذلك ، ورأى أن الأولى ملاقاة هؤلاء الأشرار ومقاتلتهم. فسار حتى وصل ماء (اللصافة) وأقام يترصد بني خالد وينتظر عودتهم ، فلما بدت طلائعهم أسرعت اليهم بعض فرسان المسلمين يناوشونهم القتال ، فظنهم بنو خالد بعض الأعراب الغازين ، فطمعوا فيهم ووثقوا من النصر ، فلما تلاحم الفريقان ، هجم عليهم جيش المسلمين ، فلم يلبث أهل الضلال أن انهزموا وجد كل منهم يطلب النجاة لنفسه. فتبعهم المسلمون وأخذوا يقتلون فيهم قتلا ذريعا ، حتى قتلوا منهم ستمائة في يوم واحد غير من قتلوه وهم يقتفون أثرهم ، وأخذوا مامعهم من الخيل والأبل: وكانت الخيل مائتين مختلفة النوع واللون ... وتسمى الوقعة التي جرت بين سعود وبني خالد وقعة (الشيط) وهو موضع شرقي ماء اللصافة))). ويذكر سبب الخسارة الكبيرة عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 328 ((( كانت محصلتها هزيمة بني خالد وفرار براك مع بعض خيالته الى قبائل المنتفق بعد وقت قصير من القتال الشرس. وترجع تلك الهزيمة القاسية وبتلك السرعة غير المتوقعه الى فقدان قوات براك لعنصري المفاجأة والتفوق العددي اللذين مكنا الدرعية من الامساك بزمام المبادرة وفرض موقع وطريقة القتال مماأدى الى احباط معنويات القوات الخالدية عند مواجهتها للأمر الواقع لاسيما أنها عائدة في شدة الصيف من غاراتها الخاطفة وقد أنهكها العطش والاعياء ولم تمكنها قوات الدرعية من الوصول الى الماء ... وقدرت خسائر بني خالد بألف مقاتل ومائتين من الخيل ، ثم يعلق ابن بشر على نتيجة تلك المعركه بقوله ( ولم تقم لبني خالد بعدها قائمة ) ، وهناك من قدرها بألفي مقاتل))).
وكنتيجة للمعركة قام سكان الأحساء بمبايعة الإمام سعود بن عبدالعزيز والذي ترك لديهم مجموعة من الدعاة والعلماء ، الا ان أهل الأحساء وبمجرد ما غادرتهم قوات الدولة السعودية الأولى قاموا بقتل من تركهم الإمام سعود بن عبدالعزيز وكان عدد المقتولين 30 رجل من بينهم الأمير محمد الحملي المنصب من قبل الدولة السعودية أميرا على الأحساء ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1207هـ ، ص: 183 ((( ثم ارتحل سعود بالمسلمين من (الأحساء) وقصد قرية (نطاع) ماء في (الطف) وأقام فيها نحو شهر. فأتته الأخبار أن أهل (الأحساء) نقضوا العهد ، وارتدوا عن الدين ، وقتلوا المسلمين الذين أقامهم سعود عندهم دعاة وهداة ومعلمين))). الا ان الامام سعود قرر التريث في مهاجمة الأحساء الى وقت لاحق.
وقد كان الأمير زيد بن عريعر وأخوانه مقيمين قرب الكويت في تلك الفترة وما ان وصلهم خبر ماحصل بالأحساء ومقتل الأمير المعين من قبل الدولة السعودية الأولى حتى اتجهوا اليها واستعادوا حكمهم ، وفي عام 1208هـ اتجهت قوات الدولة السعودية الأولى الى الأحساء وبعد معارك متعددة استطاعت اسقاط دولة بني خالد بشكل نهائي ، ولكن الإمام سعود بن عبدالعزيز قام بتنصيب الأمير براك بن عبدالمحسن كحاكم على الأحساء اسميا ويبدو انه كان يهدف من هذه الخطوة الى ابعاد التدخل العثماني لكون دولة بني خالد دولة حليفه للعثمانيين لذلك لم يرغب الإمام سعود بإبعاد آل حميد عن الحكم بشكل نهائي ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد , أحداث سنة 1208هـ ، ج:1 , ص: 204 ((( وفيها سار سعود رحمه الله بالجموع المنصورة من جميع نواحي نجد وعربانها وقصد الأحساء ، وكان أهل الأحساء بعد نقضهم العهد أتى اليهم زيد بن عريعر واستولى عليهم واستوطن البلد هو واخوانه وذووه ، فأقبل اليهم سعود بجنود المسلمين وفرسانهم ومعهم براك بن عبدالمحسن بن سرداح آل حميد مهاجر، ونزل سعود بالمسلمين على قرية الشقيق المعروفة في الأحساء ، فحاصرها يومين وأخذها عنوه واستولى عليها ، وهرب أهلها وقتل منهم عدة رجال ، ثم أجتمع أهل القرى شمال الأحساء في قرية القرين (بضم القاف) فسار اليها سعود فنزلها وحاصرها أشد الحصار وحاصر أهل بلد المطيرفي المعروفة ، فصالحوه على نصف أموالهم ، وسار سعود بتلك الجنود الى المبرز ، فخرج عليهم زيد بن عريعر بما عنده من الخيل ، فحصل بينهم قتال ... وانهزم زيد ومن معه الى البلد. ثم بعد أيام سارت الجموع الى المبرز ، فكمنوا لهم ، فجرت وقعة المحيرس قتل فيها من أهل المبرز مقتلة عظيمة ، قيل ان القتلى ينيفون عن المائة رجل ، وسارت الجنود الى بلاد ابن بطال ، فوقع فيها قتال فأنهزم أهلها وقتل منهم عدد كثير ، وأخذ سعود مافيها من الأمتعة والطعام والحيوان والأموال ، ثم ساروا الى بلدان الشرق فحصل فيها قتال وجلاد وارتجف أهل الشرق ، هذا وجميع البوادي الذين مع سعود وغيرهم يدمرون في الاحساء ويصرمون النخيل ويأخذون من التمر ويبيعونه أحمالا ، ويأكلون ويطعمون رواحلهم من الحاضر والبادي واكتالوا جميع البوادي من الأحساء نهبا ، وأوقروا رواحلهم ، وأقاموا على ذلك أياما ، ثم أن براك بن عبدالمحسن أتى الى سعود وقال ان أهل الأحساء يريدون المبايعة والدخول في الاسلام ، ولكن لايقدرون على الجلوس بين يديك خوفا وفرقا وهيبة ... وقال: اذا رحلت عنهم أخرجوا عنهم زيد بن عريعر وأتباعه ، ووفدوا عليك وبايعوك ، فرحل سعود قافلا الى الدرعية ... وركب براك الى أهل الأحساء ، فلما وصل اليهم نابذوه ونقضوا مابينهم وبينه ، وقاتلوه واستمروا على أمرهم ، فأرسل اليه فريق السياسب وأدخلوه المبرز ، وكان أولاد عريعر في الجفر والجشة البلد المعروفة ، فحصل بينهم وبين السياسب وأتباعهم قتال شديد ، فهرب أولاد عريعر من الأحساء وقصدو البصرة والزبير وسكنوا فيه ، واستولى على الأحساء أميرا من جهة عبدالعزيز ، براك بن عبدالمحسن وبايعوه على السمع والطاعة))). يذكر سقوط دولة بني خالد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد , ج:1 , ص: 206 ((( وبزوال ولاية زيد عن الأحساء , زالت ولاية آل حميد المستقلة لهم في الأحساء والقطيف ونواحيهما , لأن ولاية براك هذه كانت لعبدالعزيز بن محمد بن سعود ))).
ثالثا: الظفير
كانت قبيلة الظفير الكريمة أحد أبرز القبائل في نجد قبل قيام الدولة السعودية الأولى ، وعندما بدأت الدولة السعودية الأولى بالتوسع اصطدم الطرفين في عدة معارك كان حصيلتها النهائية هجرة قبيلة الظفير الى العراق ، وفي عام 1209هـ تلقت الظفير هزيمة كبيرة على يد قوات الدولة السعودية الأولى ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص: 210 ((( ثم دخلت السنة التاسعة بعد المائتين والألف . وفيها سار سعود بالجنود المنصورة والخيل العتاق المشهورة من نواحي نجد وعربانها وقصد جهة الشمال فأغار على عربان كثيرة مجتمعة من آل ظفير وغيرهم وهم بالحجرة الأرض المعروفة ، فهزمهم وقتل منهم رجالا كثيرة وأخذ منهم ألفا وخمسمائة بعير وجميع أغنامهم ومحلتهم وأثاثهم ، وذلك في شعبان ثم قفل راجعا بعدما قسم الغنائم))). هذه الهزيمة اضطرت قبيلة الظفير الى الهرب الى مملكة المنتفق والتي وفر حكامها لقبيلة الظفير الحماية وبتنسيق مع ولاية بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 3 , ص: 93 ((( هاجمهم ولي العهد سعود في سنة (1795م) شمال لينة وكبدهم خسائر فادحة . اضطر الضفير بعد ذلك للهرب باتجاه الفرات الى المنتفق, الذين وفروا لهم الحماية بالاتفاق مع باشا بغداد ))). ومنذ تلك الفترة بدأت قبيلة الظفير تظهر في كتب التاريخ كقبيلة حليفه لمملكة المنتفق ولقبائل اتحاد المنتفق ولحكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف ، والذين شجعوا قبيلة الظفير على الهجرة الى العراق . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس الغزاوي ، في كتابه عشائر العراق، قسم الظفير، نقلا عن المؤرخ العثماني الشهير سليمان فائق والذي عمل في بغداد وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر (((وقال المؤرخ الشهير سليمان فائق ابن الحاج طالب كهية في تاريخ المماليك عن هذه القبيلة بعد ورودها العراق ما نصه: "هذه القبيلة من القبائل النجدية العظمى، أرادت ألا تنقاد الى آل سعود بأداء الزكاة عن أنعامها، وألا يسيطر عليها أحد فيما ترتكبه من الجرائر والمفاسد ففروا من سلطة الوهابيين وجاءوا الى الخطة العراقية... وقد شوقهم على المجيء أمراء المنتفق كسائر من تمكنوا من جلبه لجانبهم بقصد التقليل من سورة الوهابيين وتقوية جهتهم واعزازها بأمثال هؤلاء مبدين لولاة بغداد صلاح ذلك وأنهم قاموا بخدمة مهمة في تزييد قوتهم ومكنتهم واعتزاز عشائرهم...أظهروا ذلك وحسنوه للوزراء والحال ان هؤلاء انما رحبوا بهم وقبلوا دخالتهم لأغراض أخرى غير هذه وذلك أنهم أضمروا أيضاً أن يستخدموهم على حكومة بغداد فأمنوا صولة الوهابيين في الظاهر وعادية الوزراء في الباطن إلا أن الوزراء لم يطلعوا على هذه الجهة فعدوا ذلك منهم مفخرة، وخدمة جلى))). ويبدو أن سليمان فائق يرى أن تحركات الظفير اللاحقه داخل ولاية بغداد كانت بتأييد ودعم من حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف.
يذكر قبيلة الظفير وعلاقتها بحكام مملكة المنتفق في أخر النصف الأول من القرن التاسع عشر .. خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية واستمر اعداده 4 سنوات وذلك خلال اشتراكه بلجنة الحدود العثمانية الفارسية مابين 1848م – 1852م و قد أصبح واليا لأنقرة لاحقا - ، كتاب ولاية البصرة – من كتاب ( سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 62 ((( يمكن لعشيرة الظفير من تجهيز ثلاثة الاف مقاتل ، تتجول صيفا في مناطق مراعي الشامية ... اما في الشتاء فيرعون في مناطق رعي قبائل المنتفق ... ولم يحدث في حالة من الحالات أن سرق ابناؤها شيئا من سكان القرى والعشائر ، وهم ليست لديهم مساكن دائمية ... تتجول هذه القبيلة في اماكن متعددة وتنتقل من مكان الى آخر ، ولكي تتخلص من المضايقات التي تحيط بها من ظلم القبائل القوية وخصوصا قبائل المنتفق اضطرت الى الاتفاق مع زعامة المنتفق وبموجب هذا الاتفاق يمنحها شيخ المنتفق سنويا كمية من الحبوب والتمور والخلع والملابس مقابل اعترافها بنفوذه وتساعده في المهمات حيث يستدعيها لمساعدته عند الحاجة ويساعدها ضد عدوهم المشترك))).
24- عودة ثويني للحكم وإستعادته للأحساء عسكريا - الحملة العثمانية الأولى داخل الجزيرة العربية:
قبل الحديث عن فترة عودة ثويني للحكم ينبغي الحديث عن الأسباب التي أدت الى اجبار الدولة العثمانية على اعادته للحكم على الرغم من خطورة هذه الخطوة عليها ، ويمكن اجمال هذه الأسباب والتي ذكر بعضها في الفصل السابق ، الآثار المترتبه على هجرة قبيلة شمر الجربا الى العراق بعد خسارتها الكبيرة أمام قوات الدولة السعودية الأولى عام 1205هـ ، الآثار المترتبه على هجرة قبيلة الظفير الى العراق طالبة الحماية بعد خسارتها الثقيلة أمام الدول السعودية الأولى عام 1209هـ ، والسبب الرئيسي وهو الهجمات العسكرية القوية على دولة بني خالد ثم الحدث الأهم وهو إسقاط الدولة السعودية الأولى لدولة بني خالد الحليفة للعثمانيين ، وإستنجاد حكامها (آل عريعر) ووجهاؤها وعلماؤها (وأبرزهم عالم الأحساء الكبير محمد بن فيروز التميمي ، وهو واحد من العلماء المعدودين الذي كانوا يستطيعون مخاطبة الخليفة العثماني مباشرة) بالدولة العثمانية ، والتي شكلت عوامل ضغط على والي بغداد أمام الخليفة العثماني ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 218 ((( وسعى في ذلك كثير من أهل نجد في الزبير والبحرين والكويت وغيرهم ، وكاتبوا باشا بغداد وحرضوه وزينوا له ذلك ، وكاتبه كثير من الرؤساء والعلماء سيما محمد بن فيروز ، فانه الذي يحكم ذلك ويبذل جهده ، وذكروا لباشا بغداد أنه لاينجع في هذا الأمر الخطير والخطب الكبير الا ثويني ، وكتبوا له كثيرا من الكذب والزور والبهتان في المسلمين))). وقد كان سليمان باشا غير متحمس لإتخاذ خطوة في هذا الإتجاه منذ سقوط دولة بني خالد 1208هـ خصوصا وان أحد أبناء آل حميد كان يحكم الأحساء اسميا ، الا انه في عام 1211هـ حصل هجوم على الأحساء من قبل الدولة السعودية الأولى بعد أن عمت الأحساء ثورة كبيرة هناك ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , عند حديثه عن آل عريعر ، ج:3 , ص: 202 ((( ويبدو أنهم لم يشاركوا في تمرد الأحساء الذي أبقى على براك والوهابيين من آذار حتى حزيران 1796م في حالة استنفار، وانتهى باخضاع القطيف والعقير .ومرة أخرى لاح لعريعر الأمل , فمنذ زمن طويل كان المهاجرون الموجودون في البحرين والكويت والزبير والبصرة يطالبون سليمان باشا في بغداد باحتلال الأحساء واقترحوا عليه تسليم شيخ المنتفق ثويني قيادة الحملة))). يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 336 ((( ويبدو أن لتلك الحملة علاقة بحملة سعود على الأحساء سنة 1210هـ / 1796م والمعروفة باسم الرقيقة والتي وقعت نتيجة لتمرد الأحساء المتكرر ولتقاعس براك وتنصله عن قمعه))). ويذكر سبب هذا التمرد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1210هـ ، ج: 1 ، ص: 214 ((( وفي هذه السنة تمالأ صالح بن النجار وعلي بن سلطان ، وسلطان الجبيلي ورجال من رؤساء الأحساء ، فأجمعوا على نقض عهد الامام عبدالعزيز ومحاربة المسلمين وتبين أمرهم وأظهروه))). لذلك قامت الدولة السعودية الأولى بالتعامل بكل حزم وقوة مع المتمردين من رجال الأحساء ، ونقلت أيضا عددا من كبار رجال الأحساء ومن علمائها وقضاتها الى الدرعية ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، حوادث سنة 1211هـ ، ج:1 ، ص: 216 ((( وصار سعود في موضعه ذلك أياما حتى اجتمع عليه المسلمون البادية والحاضره ، فسار بالجيوش المنصورة والخيل والعتاق المشهورة ، وقصد ناحية الأحساء . فلما وصل اليه نزل قرب الرقيقة وهي مزارع معروفة لأهل الأحساء وبات تلك الليلة وأمر مناديه ينادي في المسلمين أن يوقد كل رجل نارا وأن يثوروا البنادق عند طلوع الشمس. فلما أصبح الصباح رحل سعود بعد صلاة الصباح . فلما كان قبل طلوع الشمس ثور المسلمون بنادقهم دفعة واحدة فارجفت الأرض وأظلمت السماء وثار عج الدخان في الجو وأسقط كثير من الحوامل في الأحساء . ثم نزل سعود في الرقيقة المذكورة فسلم له وظهر عليه جميع أهل الاحساء على احسانه واساءته وأمرهم بالخروج فخرجوا ، فأقام في ذلك المنزل مدة أشهر يقتل من أراد قتله ويجلي من أراد جلاءه ويحبس من أراد حبسه ويأخذ من الأموال ويهدم من المحال ويبني ثغورا ويهدم دورا ، وضرب عليهم ألوفا من الدراهم وقبضها منهم وذلك لأجل ماتكرر منهم من نقض العهد ومنابذة المسلمين وجرهم الأعداء عليهم ، وأكثر سعود فيهم القتل فكان مع ناجم بن دهينيم عدة من الرجال يتخطفون في الأسواق لأهل الفسوق ، ونقاض العهود وكان اكثر القتل ذلك اليوم التلنقية والسوادية المجتمعين على الفسوق ، اللذني كان فعلهم بهواهم كلما أرادوه فعلوه ، ولا يتجاسر أحد أن يأمرهم وينهاهم ، فكثر لذلك تعديهم واعتداءهم فهذا مقتول في البلد ، وهذا يخرجونه الى الخيام ، ويضرب عنقه عند خيمة سعود حتى أفناهم الا قليل ، وحاز سعود من الأموال في تلك الغزوة مالايعد ولايحصى ، فلما أراد سعود الرحيل من الأحساء أمسك عدة رجال من رؤساء أهله منهم علي بن حمد آل عمران ومبارك ومحمد العدساني القضاة ورجال كثير غيرهم ، وظهر بهم معه الى الدرعية ، وأسكنهم فيها واستعمل في الأحساء أميرا ناجم المذكور وهو رجل من عامتهم. وسميت هذه الوقعة وقعة الرقيقة))). وقد كان أبرز الاجراءات التي اتخذتها الدولة السعودية الأولى في الأحساء بعد هذا التمرد هي الغاء حكم آل عريعر وأبناء عمهم آل حميد بشكل كامل ونهائي ، حيث انها بعد عام 1208هـ عندما اسقطت حكمهم المستقل ابقت أحدهم (الأمير براك بن عبدالمحسن) كحاكم اسمي تابع لها ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 339 ((( اذ يرد تولي ناجم بن دهينيم بعد براك بن عبدالمحسن أثر الرقيقة ثم بعده سليمان بن ماجد حتى سنة 1219هـ / 1804م حيث عزل وعين بدلا منه ابراهيم بن عفيصان على امارة الأحساء وذلك في عهد سعود))). وكانت هذه الإجراءات قد أغضبت الأمير ثويني بن عبدالله في بغداد والذي طلب تجهيز حملة يقودها لإستعادة حكم آل عريعر لدولتهم في الأحساء ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 204 ((( عند حلول سنة احدى عشرة ومائيتين والف كان رئيس الوهابيين عبدالعزيز قد هجم على الاحساء بكل مامعه من قوات واحتلها عنوة، بعد ان قتل من أهلها أكثر من مائتي شخص، ثم الحق بها القطيف وعجيرة وماجاورهما واقتطعهما لاتباعه وعشائره. وكانت هذه الحركة قد ازعجت الشيخ ثويني واغضبته، فاستأذن للخروج واسترداد هذه المرفأ من أيدي الوهابيين. وقد وافقت الحكومة على ذلك واوعزت الى متسلم البصرة ان يسنده بما عنده من العساكر النظامية ومن الرماة البلوج والمدفعية، وكذلك أرسلت له أحد أغوات بيروت المسمى أحمد آغا حجازي زاده لمعاونته))). وقد وجد سليمان باشا نفسه مجبرا على إعادة الأمير ثويني بن عبدالله للحكم وذلك لتحرج موقف العثمانيين أمام هجمات الدولة السعودية الأولى على الأحساء والتي أصبحت تصل شمال الأحساء وجنوب البصرة ، يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات، وذلك عند حديثه سبب اعادة العثمانيين لحاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبدالله الى حكمه ، المجلد الثاني ، ص: 102 (((وتحرج موقف الترك (العثمانيين) أمام غزاة نجد، فأعاده سليمان باشا (والي بغداد) إلى منصبه في المنتفق، وانتدبه لقتالهم))).
|
|
|
19-06-2012, 10:43 PM
|
#13
|
|
وأما سبب تحرك الأمير ثويني بن عبدالله لإستعادة حكم آل عريعر على الأحساء فهو لأن العلاقة بين آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق وآل عريعر حكام دولة بني خالد كانت أكبر من تحالف عسكري ، حيث ان هنالك علاقة مصاهرة تاريخيا ، فالأمير ثامر بن سعدون آل شبيب (أخو الأمير ثويني من أمه وولد عمه) كان متزوج من آل عريعر وهم أخوال ابنه منصور , يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو، أحداث هذه الفترة , ج 3 , ص: 598 ((( وكان هناك خطر أكبر بدأ يهدد العراق منذ عام 1790م من جهة حدوده الصحراوية وهو الخطر الوهابي . وهنا أيضا كان كل شي يتوقف على موقف المنتفق , اذ ان بيت سعدون , الفرع الحاكم من آل شبيب , كانوا متصاهرين مع عريعر وهم الأمراء الوحيدين الذين كانوا أو مازالوا يقاومون الوهابيين في داخل شبه الجزيرة العربية ))). و يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ،عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف , ج 3 , ص: 622 ((( وكان أبناء العائلة يزوجون بناتهم دوما فيما بينهم وكانوا يختارون زوجاتهم فيما عدا ذلك فقط من ربيعة , باوية (شيوخ بني خيقان ) , أو عريعر , أو شمر ))). وبعد سقوط دولة بني خالد عاش مجموعة من عشائر بني خالد وحكامهم (آل حميد) في مملكة المنتفق كضيوف على آل سعدون الأشراف ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 395 ((( ارتبط الفريقين بعلاقة قوية ، اذ عاشت بعض العشائر الخالدية ومن ضمنها بعض آل حميد أنفسهم مع المنتفق وارتبطوا بهم الى عهد قريب ))).
وقد قام والي بغداد بإعطاء الأمير ثويني بن عبدالله خمسين ألف قرش ومائة فرس وغيرها ، ولم يخرج الأمير ثويني من بغداد الا بعد أن وزع كل ماأعطي له على المحتاجين ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج:1 ، ص: 63 ((( اعطاه خمسين الف قرشا ومائة ناقة ومائة فرسا ومائة خلعة فما خرج ثويني من بغداد الا بعد ان فرق جميع مااعطاه الوزير الى من يستحق ذلك))). وتحرك الأمير ثويني بن عبدالله محاطا بموكب من بغداد الى البصرة ، حيث فرح به المهاجرين من الأحساء ومن نجد ، واتته القصائد منهم تحثه على التقدم للأحساء ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص: 219 ((( فحين قدم البصرة فرح به أهل تلك الأوطان فرحا شديدا ، وقالوا هذا الذي يأخذ الثار ويخرب ذلك الديار ، وأتته منهم القصائد يحضونه ويحرضونه ويعجلونه بالمسير))). وما ان وصل الأمير ثويني بن عبدالله الى البصرة واستعاد حكمه لمملكة المنتفق حتى بدأ بإستنفار رعاياه وقواته من حواضر وبوادي مملكة المنتفق فحشد عشرين ألف مقاتل عربي بالإضافة الى العشرة آلاف جندي التركي المرسلين من قبل والي بغداد ومتسلم البصرة ، ثم اتجه بهم الى الجهراء التي عسكر فيها ثلاثة أشهر وبدأت قبائل بني خالد والظفير وغيرها من البوادي بالتجمع لديه لدعم الحملة ، ثم اتجه الى القطيف بقواته البرية بينما كانت هناك قوات بحرية حملت على سفن أرسلت الى ميناء دولة بني خالد في القطيف ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص: 225 ((( ولما استقر ثويني في المنتفق والبصرة واستنفر رعاياه فحشد معه عربان المنتفق وأهل الزبير وأهل البصرة ونواحيها ، وحشد جميع عربان الظفير ونزلوا عليه ثم حشد بنو خالد كلهم ماغاب منهم الا المهاشير ، ورئيسهم براك بن عبدالمحسن ، ونزلوا على ثويني وهو نازل على الجهراء ، فأقام عليها نحو ثلاثة أشهر وهو يجمع البوادي والعساكر والمدافع وجميع آلات الحرب من البارود والرصاص والطعام وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر وأركب أيضا عساكر في السفن من البصرة ، ومعهم الميرة تباريه في البحر وقصدوا ناحية القطيف واتفق له قوة هائلة))). يذكر تعداد جيش هذه الحملة الخارج من البصرة بإتجاه الجهراء ، الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون في رحلته للعراق عام 1797م ، كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797 ، وقد كان وقتها في عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ في نفس وقت تواجد حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله في الأحساء (وقد ذكرنا في فصل سابق مقتطفات من رحلته) ، ص: 53 ((( كان جيش الشيخ يبلغ زهاء ثلاثين ألف مقاتل منهم عشرة آلاف جندي تركي وعشرون ألف مجند عربي))).
وما ان تحرك الأمير ثويني بن عبدالله بإتجاه الأحساء حتى بدأ كبير علماء دولة بني خالد والأحساء الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد فيروز آل بسام الوهبي التميمي الحنبلي (من العلماء المعروفين في نجد, وقد ولد سنة 1141هـ, وتوفي سنة 1216هـ ، وهو واحد من العلماء المعدودين الذي كانوا يستطيعون مخاطبة الخليفة العثماني مباشرة ) دعم الحملة والتمهيد لقدومها بقصيدة لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، نذكر منها هذه الأبيات:
لك الطالع الميمون بالسعد قد وطا
وأقلام أيدي النصر قد كتبت خطا
وألوية الإقبال تخفق بالمنى
وأعلام إعلام الأماني بكم نعطى
تباهت بك الدنيا سروراً, وجندا
قلادة مجدٍ أنت درّتها الوسطى
يبشر بشر الوجه منه بنيل ما
رجونا بكم, والظن بالله ما أخطا
ويكمل فيها واصفا حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله بتاج الملك وذاكرا لنسبه وطالبا منه أخذ الثأر لدولة بني خالد:
وأملت الأرواح روح المنى وقد
توالت لنا الأفراح وضدنا انحطا
بمقدم تاج الملك (ثاني الذي ثنى)
عناناً لأخذ الثأر أكرم به سبطا
تأرّجت الأحساء طيباً بذكره
وأسكرنا حتى حسبناه اسفنطا
تباشر من ضاقت عليهم رحابها
بنجح وفسح إذ بها جنده حطا
بطلعته أرجو لها الأمن والمنى
وتجديد أفراح بها ندرك البسطا
لتأخذ فينا نخوةً هاشميةً
فنعطف أرحام بتعجيل ما استبطا
بدأت الحملة تدخل الأحساء وترافقها سفن التموين والذخيره ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 203 ((( وفي هذه الأثناء كان ثويني قد بدأ زحفه ترافقه سفن التموين والذخيرة))). وبدأت الحملة الدخول في اشتباكات متقطعة وحققت غنائم تقدر بمائة ألف رأس من الغنم ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج:1 ، ص: 63 ((( واشتبك معهم في بعض المواقف اثناء الطريق وانتصر عليهم وغنم منهم نحو مائة ألف رأس من الغنم))). وقد أمر الأمير ثويني بن عبدالله بإرسالها لمدينة البصرة ، والتي فقد سكانها أغنامهم في الهجمات التي حصلت من قبل قوات الدولة السعودية الأولى على دولة بني خالد وقبائلها المنسحبين الى البصرة والتي أدت الى تعرض مراعي سكان البصرة للهجوم مع قبائل وعشائر بني خالد ، يذكر المؤرخ حامد البازي في كتابه البصرة في الفترة المظلمة ، ص: 120 ((( فجاء ونظم جيشه الممارس للحروب وفي أول هجوم له على الوهابيين غنم منهم مائة ألف رأس من الغنم بعث بها الى البصرة فاستقبلها الناس بالفرح وكانت النساء تزغردن ثم ذبحت الأغنام ليتذوق الناس طعم اللحم بعد أن حرموا منه مدة طويلة))).
وقد كان الأمير براك بن عبدالمحسن المعين كحاكم اسمي للأحساء سابقا من قبل الدولة السعودية الأولى قد انضم للحملة ، ولكنه أرسل للدولة السعودية الأولى سرا بانه سوف يبدل ولاؤه لهم بمجرد ظهور قواتهم، وبذلك أصبحت الأحساء بأكملها تحت سيطرة الأمير ثويني بن عبدالله ، وبدأت قوات الدولة السعودية الأولى اتخاذ مواقع دفاعية عن نجد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 203 ((( وبعد تعرضه لتهديد قوي تحول براك حاكم الحسا وقائد قواتها اليه ايضا. وقد برر موقفه تجاه الوهابيين بأنه مجرد انحناء أمام العاصفة وأنه عند ظهور الجيش سينتقل فورا الى صفهم. ولم يبق في بني خالد مخلصا للوهابيين سوى المهاشير . وشكل هذا الوضع ضربة قوية لهم لأنهم اضطروا الآن الى جعل خططهم الحربية تقتصر على الدفاع عن المداخل المؤدية الى نجد: طلبوا من قبائل المطير ، وسبيع ، وسهول ، وقحطان ، وعجمان ، الذهاب مع قطعانهم ونسائهم وأطفالهم الى منطقة بني خالد الشتوية واحتلال مواقع المياه في الصمان . وتحت تغطية البدو تقدمت طلائع الجيش الوهابي الى الصمان ، بينما بقي سعود في حفر العتش))). ولم يكن إنضمام الأمير براك للحملة بالإضافة الى الخسائر الأولية هي الهاجس الأكبر للدولة السعودية الأولى ، بل ان الهاجس الأكبر كان انهيار المعنويات بشكل كبير وبدء بعض القبائل بمراسلة الجيش القادم سرا لأخذ الآمان والتعهد بدعم الحملة وبعدم محاولة التصدي فعليا لها. يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ومراسلة بعض القبائل له سرا، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 212 ((( فلما سار بما معه من العشائر والجنود الباسلة والعشائر اضطرب من نجد البادي والحاضر ، وانقاد له من عشائر ابن سعود ماتضيق به الاغوار والنجود ، وانحلت به من الاعداء العزائم وعاهدته من الاعراب الهامات والجرائم))). ويذكر مراسلة بعض القبائل سرا للحملة ، المؤرخ حمد بن لعبون (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون , ص: 586 ((( فانحازت البوادي حين بلغهم اقباله وضعنوا عن قرية . ثم: رحلوا عن الطف , وانحازوا على أم ربيعة وجودة واشتد عليهم الأمر, وساءت الظنون وكثر فيهم التحاور حين ورد ثويني الطف. ثم ظعن منه ونزل الشباك والعربان قد اشتد بهم الأمر ومعهم شوكة من الحضر محدرهم سعود قوة لهم , أميرهم حسن بن مشاري , وثويني متوجها للبلاد , وغالب بدو العارض قد كثر فيهم الخلل , ومنهم من كاتبه وأخذ أمانا خفي نسأل الله العافية))). يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 199 ((( وظل ثويني بن عبدالله يتحكم في (الأحساء) ويعلن أنه قريب يستولي على بلدان نجد فيتم له النصر))). وقد كانت قوات الدولة السعودية الأولى بقيادة حسن المشاري قد اقتربت كثيرا من قوات الحملة ، وأرسل حسن المشاري كتيبة لتحتك بالحملة في محاولة لإعطاء الفرصة للأمير بارك بن عبدالمحسن الحاكم الأسمي للأحساء سابقا لتنفيذ ماوعد به من تبديل ولاؤه للقوات السعودية ، الا ان الأمير براك لم يستجب لهذه المحاولة ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 203 ((( أرسل كتيبة قوية بقيادة حسن المشاري الى الطف ووضع تحت قيادته القوة الطليعية المتقدمة التي كانت معنوياتها منخفضة الى درجة خطيرة. وما أن وصل مشاري الى الطف حتى تلقى أمرا بأن يتخذ مواقعه في مكان أبعد الى الجنوب قرب جودة وأم ربيعة. وعندما وصل الى هناك أرسل مجموعة قوية لكي تحتك بالعدو وتمكن براك من العودة الى الوهابيين. لكن براك لم يجد الفرصة المناسبة أو أنه لم يكن يريد ايجادها))).
25- إغتيال ثويني وقصائد رثاء قيلت فيه :
وما ان بدأ الجيش حط الرحال في منطقة الشباك حتى توجه مملوك اسمه طعيس من عبيد بني خالد وتابع لقوات الدولة السعودية الأولى الى مكان الأمير ثويني بن عبدالله واتاه من الخلف واغتاله وذلك بعد ان رماه برمح في ظهره ، وعلى الفور جرد الأمير ثويني بن عبدالله سيفه وضرب به المملوك طعيس قبل أن يكمل من كان حوله عليه ، ثم سقط الأمير ثويني مغشيا عليه وحمل الى خيمته وتوفي بعد ذلك بعدة ساعات في واحدة من أقوى عمليات الإغتيال تأثيرا على مجرى الأحداث في تاريخ المنطقة في القرون المتأخرة ، وأجتمع الرأي على محاولة إخفاء خبر موته حتى لاتتأثر معنويات الجنود ، وقالوا بأنه مريض ، وتم تعيين أخوه الأمير ناصر بن عبدالله مكانه ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص: 410 (((وعند حط الرحال قتل الشيخ ثويني غيلة وذلك أنه كان منفرداً عن حاشيته أثناء نصب الخيام فأتاه من خلفه خادم يسمى (طعيسا) وطعنه برمح بين كتفيه فخر شهيداً (فقتل ذلك الخادم في الحال ولم يستنطق عمن عمده على فعلته) وحمل الشيخ ثويني إلى داخل خيمته ميتاً. ثم دفن سراً في (جزيرة العماير) وأراد رؤساء قومه إخفاء موته لئلا تنفل جموعهم وأخبروا بأنه مريض وجعلوا يطلبون له القهوة والماء تظاهراً بأنه حي. وعينوا أخاه (ناصراً) وكيلاً عنه وذلك في 4 محرم عام (1212هـ 1796م))). يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات، وذلك عند حديثه عن اغتيال حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبدالله الملقب بأبو قريحة ، المجلد الثاني ، ص: 102 (((وتحرج موقف الترك (العثمانيين) أمام غزاة نجد، فأعاده سليمان باشا (والي بغداد) إلى منصبه في المنتفق، وانتدبه لقتالهم. وزحف أبو قريحة يريد نجدا، فلم يلبث أن أغتاله عبد اسمه (طعيس) من عبيد جبور بني خالد، من أتباع آل سعود، في مكان يسمى (الشباك) - بتخفيف الباء - من ديرة بني خالد))).
أما كيفية وصول طعيس لمعسكر الحملة فتبدأ عند خروج الأمير براك بن عبدالمحسن مع بعض جنوده من بني خالد لحملة استطلاع حول المعسكر الرئيسي للحملة ، ومن ثم اصطدامهم مع قوات للدولة السعوية الأولى وأسرهم لعدة أسرى كان من بينهم المملوك طعيس ( وطعيس كان أصلا عبدا لبني خالد ومع قوات براك سابقا وانفصل عنه - عندما توجه الأمير براك للانضمام للحملة – ثم التحق طعيس بقوات الدولة السعودية الأولى ) ، وعند وصول الأمير براك بن عبدالمحسن الى معسكر الحملة قام بإطلاق طعيس هناك في تصرف مبهم، وعندها اتجه طعيس مباشرة بحثا عن ثويني حتى وجده واغتاله من خلفه غدرا ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ ابن لعبون المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، عند حديثه عن طعيس، ص: 207 ((( وقد فارق براك يوم اقفا براك قاصدا ثويني ، وصار العبد عند المسلمين ثم غزا مع ركب وأخذوا الركب وصار مع الخوالد الحربيين ، فحين نزلوا الشباك وجلس ثويني عدا عليه معه رميح فيه حربيه رثه وطعنه بين كتفيه))).
ويختلف المؤرخون حول من هو المسؤول عن عملية اغتيال الأمير ثويني بن عبدالله الى أربعة أراء ، الرأي الأول أن طعيس قد تصرف من قبل نفسه ويرى هذا الرأي بعض مؤرخين الدولة السعودية الأولى ، ويرى هذا الرأي أيضا المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو، ج3 ، ص: 203 ((( وهنا أنقذ الوهابيون بمعجرة من خطر أكيد. فقد قام عبد شبه مجنون من عبيد بني خالد بقتل ثويني (نهاية يونيو / حزيران) في شباك على بعد مسيرة 12 يوما جنوب البصرة، ويبدو أن الدافع الى ذلك كان حب الظهور))). الرأي الثاني أن الأمير براك بن عبدالمحسن هو المسؤول عن ذلك ويعلل أصحاب هذا الرأي ذلك ، بكون الأمير براك بن عبدالمحسن رأى أن الأمير ثويني بن عبدالله سوف يعطي حكم الأحساء للأمير محمد آل عريعر لذلك عزم على إفشال الحملة ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 204 ((( أما القاتل فقد تجمعوا عليه وقتلوه حالا، ولم يعرف هل هو من اتباع عبدالعزيز الوهابي او انه من جماعة شيوخ بني خالد. أما محمد العريعر والبراك فقد كان كل منهما يطمع بالاستيلاء على الاحساء وجعلها تحت حكمه. وكان الشيخ ثويني يميل الى محمد العريعر ويسانده ويعده باعطاء حاكمية الاحساء اليه، ولذلك اضمر البراك الغدر به ونفذ ما اضمره، هذا مااتجهت الظنون اليه في حينه))). الرأي الثالث أن طعيس مرسل من قبل الدولة السعودية الأولى لإغتيال الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكرالمؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمة ، ص: 121 ((( وكان طعيس قد بايع على قتل ثويني وتبرع على اغتياله باي ثمن كان فضرب المثل المشهور في منطقة البصرة والكويت والزبير ونجد فقيل – باع بيعة اطعيس – ويراد بذلك لمن صمم على عمل شيء ولو كان مصيره الموت حيث قتل طعيس في حينه ))). الرأي الأخير يجمع بين الرأي الثاني والثالث وهو أن العملية نفذت بتنسيق بين الدولة السعودية الأولى والأمير براك بن عبدالمحسن والذي نقل العبد طعيس معه كأسير الى المعسكر ثم قام بإطلاق سراحه هناك لينفذ عملية الإغتيال ، يذكر الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي ، هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 212 ((( ومن المرجح ان قتله كان نتيجة لاتفاق جرى بين احد زعماء بني خالد ، وهو براك بن عبدالمحسن ، وعبدالعزيز آل سعود ، بسبب مابلغ الاول من عزم ثويني اسناد الاحساء الى منافسه من بني خالد أيضا ، هو محمد بن عريعر))).
بعد اغتيال الأمير ثويني بن عبدالله قام الأمير براك بن عبدالمحسن بالإنسحاب بجنوده من الحملة والإنضمام الى قوات حسن بن مشاري ، وهو ماأدى الى إحداث فوضى بين قواتها ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 228 ((( وكان براك بن عبدالمحسن بينه وبين حسن بن مشاري مكاتبات ومراسلات لأنه ندم على المسير مع ثويني ، وذلك لأنه رأى وجهه واقباله لأولاد عريعر ، فعرف انه ان استولى على الأحساء لايؤثر عليهم أحدا ، فلما قتل ثويني انهزم براك الى حسن بن مشاري فوقع التخاذل والفشل في جنود ثويني))). يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص:411 (((ولكن رغم ذلك التكتم فشا خبر موته فانسل (براك الخالدي) بقومه وانضم إلى حسن بن مشاري. فوقع التخاذل والفشل في بقية الجموع))). لذلك قرر حكام المنتفق الإنفصال عن الحملة بقبائلهم وعشائرهم ، وذلك بعد خيانة الأمير براك بن عبدالمحسن لهم وهم القادمون لإعادة الأحساء الى حكم بني خالد ، وبعد أن بدأت قوات الحملة بالتفكك بسبب ماقام به الأمير عبدالمحسن بن سرداح بدأوا بالإنسحاب وتركوا المدافع العثمانية والجنود العثمانيين حتى لاتبطيء تحركهم ، وقد تلقت القوات العثمانية هجمات قاسية في الصحراء وخسائر كبيرة خصوصا في الذخيرة والمدافع التي فقدت بكاملها تقريبا ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 205 (((أما اخوان الشيخ ثويني وعشائر المنتفك فقد القوا ما بأيديهم من المدافع ، واكتفوا بانقاذ عوائلهم وانفسهم وفروا الى ديارهم. وأما العسكر البلوجي فقد وقع الوهابيون به ضربا وأسرا، واستولوا على مامعه من مدافع وعتاد وغير ذلك وذهبوا به غنيمة باردة الى الدرعية))). وقد وصلت أخبار ماحصل الى بغداد وكان تأثيرها شديدا ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 205 ((( لقد وصلت أخبار هذه الحادثة الى بغداد سنة اثنتي عشرة ومائتين والف فكان وقعها شديدا))). يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن تنافس حكام دولة بني خالد على الحكم والذي أفشل الحملة وقضى على أمل بني خالد بإستعادة الأحساء ، ص: 351 ((( استمر ذلك التنافس حتى بعد ذلك. إذ كان من أسباب فشل حملة ثويني سنة 1211هـ . أثر مقتله والتي كان يعول عليها بنوخالد بإستعادة الأحساء من الدرعية ))).
وما أن وصل حكام مملكة المنتفق وقبائلهم الى صفوان حتى بدأوا تنظيم قواتهم من جديد ، وأرسل الأمير ناصر بن عبدالله الى والي بغداد يطلب منه أن يأمر الجنود العثمانيين أن يتجمعوا في محاولة من الأمير ناصر بن عبدالله العودة بالحملة من جديد ، ويبدو أنه من خلال هذا الطلب كان يرغب بأن يخلف أخوه الأمير ثويني بن عبدالله وأن لايعود الحكم لولد عمه الأمير حمود بن ثامر ، الا أن سليمان باشا والذي كان يعرف أن الأمير ناصر بن عبدالله يعتبر شخصية غير موالية للعثمانيين والذي كان أيضا قد غضب من ترك الجنود العثمانيين ومن خيانة الأمير براك بن عبدالمحسن الخالدي ، كان قد صرف النظر عن القيام بحمله عثمانية تكون قيادتها عربية ، لذلك قام سليمان باشا بالأعتراف رسميا بحكم الأمير حمود بن ثامر على مملكة المنتفق (الموالي للعثمانيين في تلك الفترة) وذلك كي يقطع الطريق على الأمير ناصر بن عبدالله . يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 213 ((( حتى نزلوا سفوان وامل اخوانه الاطمئنان والسيادة بعد ذلك القتيل على ذلك القبيل ،فما تم لهم ذلك التأميل لكون الوزير لما حصل لثويني ماحصل ، ورجع ذلك الفل وانفتل ، انصرف عنهم الى حمود فنصبه حاكما على السائد والمسود))).
ويرثي كبير علماء دولة بني خالد والأحساء الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد فيروز آل بسام الوهبي التميمي الحنبلي (وهو من العلماء المعروفين في نجد, وقد ولد سنة 1141هـ, وتوفي سنة 1216هـ ، وهو واحد من العلماء المعدودين الذي كانوا يستطيعون مخاطبة الخليفة العثماني مباشرة ) حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، بقصيدة نذكر منها هذه الأبيات:
على ما جرى من ربنا يلزم الصبر
وإن كان يبدو في مذاقته الصبر
ولا حول في كل الأمور وقوة
سوى بالذي في كل شيء له الأمر
إلى الله أشكو فادح الكرب إنه
جديرٌ بجبر الكسر إن عظم الكسر
عليه اعتمادي، وهو ذخري وعدتي
إذا ضاق بي عسر أتى منه لي يسر
وكم حمل وزر أعجز الظهر حمله
فحطّ بعفو منه عن وازر وزر
فالله طود المدّ إذ هدّ ركنه
عجبت لطود المجد إذ ضمه قبر
ولله بحر الجود يقذف درّه
فأصبح لا مدٌّ لديه، ولا جزر
ولله شمس الفضل تسمو بأفقها
فغادرها كشفٌ به عظم الأصر
ولله بدر التم في برج سعده
علاه سرار، فاختفى ذلك البدر
ولله نجم في المعالي به الهدى
وكوكب فضلٍ فيضه الجود والوفر
ولله مقدام الكتائب في الوغى
وقائدها في الروع قدامه النصر
ولله جرّار المقانب معلم
وفي الروع بسام، وأعلامه حمر
ولله من لا ينثني عن مرامه
بدون المنى إذ يشبع الذيب والنسر
أيا فارس الأقران في حومة الوغى
ستبكي عليك البيض، والضمر الشقر
وتبكي ظباء من (شبيبٍ) بحرقة
على من لها في الروع يوم الوغى ستر
ستهمي عليك العين وابل دمعها
فإن لم تفض دمعاً، فما إن لها عذر
ستبكي عليك المكرمات بأسرها
وراياتك الغرا وأندية خضر
فسحقاً لقينٍ قد رقى منك مرتقىً
علياً وكم قد صيد بالخرب الصقر
ففي فعل وحشيٍ بحمزة أسوة
كذا بأبي حفصٍ إمام التقى البر
وقد أسقي الملعون من كفك الردى
وسل الغوي النار منها لها سعر
ويوم الجزا يصلى سعيراً بما اجترى
له بلظاها مستقر به نسر
ويصل فيها للقول:
لئن غاب بدر التم منك فإن في
شموس العلا أخوانك النصر والجبر
كذا في (حمودٍ) ذي المحامد والعلا
لنا خلف إذ أنه الماجد البر
أبي تقي لوذعي مهذب
شجاع مطاع فاتك باسل بحر
و(آل شبيبٍ) ذو المفاخر والعلا
ليوث الشرى أرجو بهم يدرك الثأر
ستبكيك منهم عصبة هاشمية
بسمر القنا والبيض أدمعها حمر
وتشفى حزازات النفوس بوقعة
بها يشبع السرحان والأسد والنمر
فقوموا لأخذ الثأر قومة ماجدٍ
بعيد عن العورا غيور ولا غر
بصير بكر الخيل والفر في الوغى
خبير بتدبير الأمور ولا غمر
فأنتم أسود والعدى بقر الفلا
فما إن لها عنكم محيص ولا فر
فما أنتم عزل لدى حومة الوغى
وما باعكم عن نيل ثأر به قصر
ألستم كماة الروع بل أسد الشرى
ليوث الوغى من فعلها الهتك والأسر
ألا فانفروا وانحوا العدى وابذلوا القوى
خفافاً ثقالاً ثبت في اللقا صبر
ألا فاطلبوا ثأراً عزيزاً فإنه
ببيض الظبى والسمر يستدفع الأمر
وينعي حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 218 ((( وقتله طعيس شلت في النار منه اليدان ، فقد هد بموته ركن من اركان الاسلام ، وكسفت به شموس السيادة والأعظام ، فبكاه كل شرف وجود ، وشق من جرائه للمروءة البرود ، وندب الناس به الكرم ، وندبت العوالي به معالي الهمم ، فابنه الاكابر ، وعظمت المراثي للمأثر ، وذلك في حكومته الثانية كما سلف قريب في عام أرخه (غريب) سقى الله ثراه من الرخى بشأبيب))). و يوافق مجموع حروف هذه الكلمة سنة ( 1212). ويرثي المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري الأمير ثويني بن عبدالله بقصيدة ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 219:
هو الليث وافاه على غرّةٍ سهمُ
فهدّ به للمجد آطامه الشمُّ
فها كلّ قلبٍ فيه من رزئه لظى
وها كلّ طرفٍ فيه من أدمعٍ يمّ
فقدنا به غيثاِ مريعاً وسيّداً
رفيعاً وبدراً نوره الفضل والحلم
وذا راحةٍ يحيى بها الفضل والندى
ويؤدى بها الإقتار والجدب والعدم
فيا قبره واريت من لا سماحه
يوارى ولا أخلاقه يقرب الذم
ضممت شبيبياً نماه إلى العلى
عليٌّ، ولم يوجد كأمٍّ له أم
فحسبك ما أودعت من جسم ماجدٍ
نعته لنا الأسياف والذبّل الصم
بكيناه حتى أسعدتنا على البكا
سيوفٌ بكى من نوحها الكمت والدهم
وبيضٌ عذارى ما فجعن بمثله
فأدمعها سحبٌ وأوجهها قتم
لقد سرّها الدم الخدود لرزء من
لدن مات مات الفضل والنائل الجم
فقد كنّ في ظل الحجال نواعماً
ولمّا هوى في اللحد أبرزها اليتم
وحقّ كميت الخيل منع ظهورها
لفقد فتى يبكيه منه له الحزم
فقد كان خوّاضاً بها كلّ سورةٍ
تقاعس عن دأماتها الباسل القرم
وقد كان مطعاناً عليها ومطعماً
لهنّ إذا ما قلّ في اللزب الطعم
وحقّ لأقوامٍ متى ما تقلّبت
بهم نوبٌ حمٌّ مكارمه أمّوا
بكاءٌ عليه بالدماء فطالما
تدفّق فيهم من مراهبه سلم
فتى لا يمسّ الضيم حارة جاره
ولا يتمشّى حول مخفوره ظلم
حمى ما حماه بالصوارم وائلٌ
وشاد فخاراً بالقنا دونه النجم
معاليه قد أسمت مغازيه حبّذا
معالٍ، وإن كانت بغاراته تسمو
ويا حبّذا منه الندى وأواصرٌ
إلى هاشمٍ تنمى وسؤدده الضخم
وفصلٌ ولا جورٌ، وبذلٌ ولا رئا
ومدٌّ ولا جزرٌ، وجذمٌ ولا وصم
وحلمٌ ولا طيشٌ، وعقلٌ ولا هوى
وقولٌ ولا فحشٌ، وعرضٌ ولا ثلم
لتبك اليتامى والأيامى حلاحلاً
أغرّ شبيبيّاً له أعرق الجذم
تخبّرنا عن فضله الجمّ أعصرٌ
هي الغرّ لولا أنها مذ قضى ذهم
قضى فانقضى الجود الذي عنه حاتمٌ
تقاصر بل معن السمّاح بل اليتم
قضى فانقضت لذّات بدوٍ، وقوّضت
قبابٌ بها للخائف الأمن والشكم
قباب أناسٍ ما شكا قطّ جارهم
ولا نطقوا لا قطّ بخلاً، ولا همّوا
وما نزلوا قطّ الوهاد، وإنما
بيوتهمو بالسمر فوق الربى الشم
ولكنّهم سادوا وذادوا وأفضلوا
إلى أن سموا ما لم يكن غيرهم يسمو
سموا ب (ثويني) كلّ مجدٍ معمّدٍ
ببيضٍ لها في كلّ ما ملكٍ رسم
أميراً فقدناه، فمات الندى به
فما هو إلا الروح والنائل الجسم
فشلت يمينٌ من (طعيسٍ) سطت بمن
تأثّف طلاب الجدى بعده اليتم
فأضحوا ولا خالٌ بخال، ولا ندى
بهالٌ، ولا أمرٌ يقام ولا حكم
جدعت به، يا كلب، عرنين قومه
وأشملهم بذلاً إذا كلح الأزم
وأمضاهم عزماً، وأشهرهم علىً
وأعظمهم صبراً إذا عظم الحطم
فللت حساماً لا كهاماً وإنما
هو الصيرم الأراء والفارس الشهم
خسرتَ ، قتلت السامي القدر والذي
سجيّته التقوى وديدنه الرحم
ومن لا يعيب الناس إلاّ سماحه
ومجداً على توصيفه عكف النظم
قتلتَ (ابن عبد الله) والحاكم الذي
قضاياه عن مشهورها يهرب العقم
ومن هو للإسلام وجهٌ وقبلةٌ
ومن حكمه لم يعر ساحته الظلم
ومن بيته روضٌ، وساحته حمىً
وهمّته عليا، ومظنونه علم
عليه من الرضوان وبلٌ وديمةٌ
يسجّان ما بدرٌ تلألأ أو نجم
هذه صورة توضح التحركات العسكرية داخل الجزيرة العربية لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله وذلك انطلاقا من مملكة المنتفق و توضح أيضا تحركات حكام دولة بني خالد ( آل عريعر) العسكرية انطلاقا من الأحساء:
سجل لمشاهدة الروابط
|
|
|
19-06-2012, 10:48 PM
|
#15
|
|
لقد كان انتصار قوات مملكة المنتفق كبيرا جدا ، فقد شتت الجيش المقابل لها وأسرت والي بغداد ونائبه وشيخ عقيل ، بالإضافة الى قتل شيخ ربيعة وشيخ الخزاعل ومقدم القشعم ، مضافا الى ذلك هروب مشايخ القبائل الأخرى الموالين للعثمانيين وتركهم لجنودهم في ساحة القتال والذين هرب من استطاع الهرب منهم وقتل من قتل وأسر منهم من أسر وبعضهم بدل ولاؤه للنجاة من القتل ، وقد استسلمت كامل القوات العثمانية التي سلمت من القتل بعد ان سلموا كل اسلحتهم وعتادهم العسكري ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 162((( لقد كان انتصار المنتفق في هذه المعركة كبيرا ، بحيث أنها لم تمكن أحدا من غزاتها من العودة لأرضه سالما ، فبالاضافة لمن قتلوا في المعركة ، فقد غرق شيخ الخزاعل أثناء مطاردة خيالة المنتفق له في نهر "المسرهد" وقتل مقدم القشعم ، واستسلم المتبقون طالبين "الدخالة ". أما بقية الجيش فقد حماهم سعيد بك ، بعد أن جردوا من أسلحتهم ومدافعهم وكافة عددهم))). لقد كانت معركة غليوين واحدة من أعظم الإنكسارات العثمانية أمام العرب تاريخيا ان لم يكن أعظمها على الاطلاق ، حيث تم اقتياد والي بغداد ونائبه مكبلين بالسلاسل الى السجن في عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ ، وبعد سجنهم توفي الأمير برغش بن حمود ، لذلك ذهب عمه الأمير راشد بن ثامر السعدون الى السجن وقتل والي بغداد ونائبه خنقا بالحبال وذلك انتقاما لوفاة ابن أخيه ، وبعد دفنهم رجع الأمير راشد بن ثامر السعدون وأخرجهم وعلق رؤوسهم أمام الناس ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص:416 (((ولما طلب الأمان الوزير لنفسه ولمن معه وسلم نفسه. أمر حمود باعتقال عبد الله باشا الوزير المذكور ومعه طاهر بيك وشخص ثالث معهما فكبلوا في الحديد. وأرسل بهم على (سوق الشيوخ) حيث سجنوا هناك. ولما مات برغش بن حمود من تلك الطعنة التي طعنها في ميدان القتال. ذهب عمه راشد بن ثامر إلى السجن وقتل الثلاثة المذكورين (عبد الله باشا وطاهر بيك وصاحبهما) خنقاً بالحبال. وبعد أن قبروا أعاد عليهم فنبشهم وقطع رؤوسهم وشهرها ثأراً لابن أخيه برغش))). ويرى ابن بشر المعاصر للأحداث أن سعيد هو من أشار على الأمير راشد بن ثامر السعدون بإعدام والي بغداد ونائبه ، وقد غضب حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون (كان قد أصيب في العمى قبل تلك الفترة) على قتلهم بعد أن اعطاهم الآمان وسقط عن سريره عندما وصله الخبر ، الا انه لم يعقب على ذلك ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 337 ((( وكان برغش بن حمود قد جرح في تلك الوقعة جرحا شديدا ثم مات منه ، فأسر سعيد بن سليمان المذكور لراشد أخا حمود بن ثامر أن يقتل عبدالله وكيخياه فقتلهم ، فلما بلغ حمود الخبر غضب غضبا شديدا وسقط من سريره لقطع وجهه ولم يعقب ذلك بشيء))).
وننقل هنا وصف لأكبر أبناء حاكم مملكة المنتفق وهو الأمير برغش بن حمود من قبل أحد معاصريه وهو التاجر الحلبي ميخائيل بن يوسف عبود ، هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 279 ((( انه أكبر ابناء حمود ، وانه المشهور في صورته ومنظره العجيب وفروسيته))). وهذه قصيدة الأمير الشريف علي بن ثامر السعدون في رثاء أخيه الأمير الشريف عبدالمحسن بن ثامر السعدون, وذكر انتصارهم في معركة (غليوين) على والي بغداد عبدالله باشا سنة 1813م ، مصدر القصيدة (القاموس العشائري العراقي) ، للشيخ أحمد العامري الناصري، الجزء الأول ، ص:145 :
الورق يلعي فوق عالي قصورها
حمايمٍ، ويطربن الغنا من فجورها
تغنّت بصافي النوح عندي, وانا الذي
من البعد والفرقا أصالي مرورها
أيا أيها الورق الذي أنت ساهر
لك النوح شطرٍ من معالم شطورها
آه وا عضيدي راح.. ما عاد يرجع
باللحد ثاوي في مطاوي قبورها
(أبا براك) زبن الجاذيات ابن ثامر
وان همّلوا عصمان الأيدي سيورها
أيا ليت (أبو براك) بالكون حاضر
به صولةٍ جتنا. كفى الله شرورها
لفتنا: ربيعة وابن جشعم ولامها
معا.. عسكر الدولة، وجملة حضورها
ومعهم عقيلٍ، والقبايل جميعها
واللي بقلبه حسفةٍ.. جا.. يدورها
واشاروا علينا بالقطيعة، وذبحنا
والاطواب تكفي في ملاهي زمورها
دعونا الصبح, واحنا نلملم جموعنا
وحاروا، وداروا.. كيف حالٍ ندورها
و(صالح) نهار الكون زيزوم حربنا
عزنا، وزبن رجالنا عن عقورها
وانا على قبّاً.. قحومٍ وعندلٍ
رفوعٍ، وشعوى لى تمثنت وعورها
ركضنا عليهم ركضةٍ (هاشميّة)
وراحت تناحي بالعوالي صدورها
غدا ذاك مذبوح, والاخر مخلاّ
وهناك حقٍّ للحدا مع نسورها
وليناهم, وطابت بهم نفس لابتي
ليا عاد (ابو برغش) حماها، وسورها
لمن خاب ذاك اليوم منّا، ومنهم
رايات سودٍ تنتشر في نشورها
ثم سار حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون الى بغداد واحتلها عسكريا ، وقام بفرض تعيين دخيله سعيد كوالي لها ( كان عمر سعيد وقتها 20 سنة ) وبعد فترة وصل فرمان عثماني بالقبول بسعيد كوالي لبغداد وهي أكبر اهانة تلقتها الدولة العثمانية في العراق من العرب ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني ، عند حديثه عن دخول الأمير حمود بن ثامر السعدون ومعه سعيد الى بغداد , ص: 304 ((( ثم توجه حمود مع سعيد باشا الى بغداد , ودخلاها بالموكب والأبهة والجاه , وكاتب سعيد باشا الدولة فجاءه الفرمان بأنه والي بغداد والبصرة وشهرزور , فرجع حمود الى المنتفق , لكن سعيد باشا لايبرم صغيره ولا كبيره الا بمشورته))). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو, ج3 , ص: 285 ((( فدخل حمود الى بغداد مع سعيد الذي كان في حمايته , وكان هذا نصرا لآل سعدون لا مثيل له . لم يكن سعيد مؤهلا لمنصبه , فلم يكن عمره سوى واحد وعشرين عاما ولم تكن لديه أي خبره في ادارة شؤون الدولة ))). يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود (المعاصر للأحداث) ، عند حديثه عن سعيد باشا في بغداد التابع لحاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر ، والمنصب من قبله كوالي على المناطق العثمانية في العراق ، ص: 281 ((( فلما انتظمت اموره رجع حمود منه منعما اليه معظما مع انه وان بعد عنه فهو قلبه ، بل مجنه ودرعه وسنانه وعضبه ، لايصدر امر الا وهو ناظم عقده ، ولاتوارى نار حرب الا بزنده ، ولايولى امير الا باستشارته ، ولايعقد صلح الا وهو المطلع على سفارته))).
وقد فرض آل سعدون نفوذهم على كامل العراق منذ تعيينهم لسعيد باشا (عام 1813م) وحتى إعدام سعيد باشا من قبل العثمانيين (عام 1817م) ، وهو مالم تتمكن أي أسرة أو قبيلة أو امارة في العراق من فعله طوال الحقبة العثمانية ، يذكر فرض الأمير حمود بن ثامر لنفوذه على كامل العراق المؤرخ حمد بن لعبون (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص:660 ((( وجرح برغش بن حمود . ثم : أنه مات وقتلوا عبدالله باشا وسار حمود وجه اسعد لبغداد , وملك العراق ورجع ))). ويذكر كاظم فنجان الحمامي ، في مقاله : بين الناصريتين .. ناصرية العرب وناصرية العجم (((واستمرت المعركة لعدة أيام, انتهت بالنصر المؤزر لصالح المنتفك, الذين بسطوا نفوذهم السياسي والقومي على العراق كله, من شماله إلى جنوبه))). يذكر عبد الحليم احمد الحصيني ، في مقاله : الناصرية في أروقة الزمن (((والى ايام الفضلية وهي المعركة التي اندحر فيها الفرس عام 1777 عندما توغلوا في اراضي المنتفك وحصلت المواجهة في منطقة الفضلية الواقعة على نهر الفرات على بعد عدة اميال من العرجة وتكبدوا فيها خسائر فادحة من جراء غيهم بعد ان لقنوا درسا بليغا من اهالي المنتفك الذين كانوا لهم بالمرصاد والى ايام ابو حلانه يوم لم يروق للفرس هزيمتهم في معركة الفضلية تقدموا بقواتهم نحو المنتفك والتقو عند ( ابو حلانة) نهاية عام 1778 وعندها ابلى رجال المنتفك بلاء حسنا وابادوا القوات الفارسية ابادة تامة وغنمو خلالها العديد من الاسلحة والمعدات ومن ابو حلانة الى اغليوين (جدول يقع بين الناصرية وسوق الشيوخ) دارت عنده المعركة بين المنتفك والقوات العثمانية اوائل عام 1813م ودارت المعركة سجالا بين الطرفين حيث كانت الغلبة بادئ الامر لصالح قوات الوالي العثماني حيث يفوقون المنتفك عددا وسلاح . ولكن صلابة المنتفك وبسالتهم غيرت من نتائج المعركة واصبحت الكفة لصالح المنتفك وحوصرت قوات الوالي العثماني وقتل اغلبية القادة وهكذا تلقت القوات العثمانية ضربات موجعة لم ينج منها الا نفر قليل ولى هاربا رغم الاستعدادت الكبيرة وثقل القوات المهاجمة وسجلت المنتقك نصرا كبيرا . اثبتت المنتفك من خلاله انها صاحبة القرار بكل ماتريد او لاتريد وفي كل ارجاء العراق من شماله الى جنوبه))).
يذكر تبعات هذا النصر الكبير لحكام مملكة المنتفق أسرة آل سعدون الأشراف ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 280 ((( ولما حصل لذلك العسكر ماذكرنا قوية شوكة حمود وصلبت قناته ، ولم يبق عنده لوزير ولا امير حرمة ، وحلف من رق دينه انه من اولياء الله ، وانه لاغالب يغلبه ، وصار امر سعيد بيده ، ولهذا أعطاه وأخوانه مافي جنوب البصرة من القرى فضحك لهم الزمان ، ودار بمايشتهون الجديدان ، واطاعهم الحاضر والبادي ، وسالمتهم قهرا الاعادي ، وصار لايضرب مثل شرف الا بهم ولايوجد التبختر الا في شيبهم وشبابهم ، ولاترحل مهرية الا لتناخ في رحابهم ، ولايتسامر في المحافل الا بمدائحهم ، ولا يتنافس الماثل الا بذكر صفائحهم))). ويذكر سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر ) ، في كتابه عشائر المنتفق , ص:35 ((( وبناء على هذه الوقعة الكبيرة نالت عشائر المنتفق الشهرة العظيمة , وانتشر خبر حمود الثامر في كل الأطراف , وهابته العشائر , ولقبته بسلطان البر . وبدأوا يسمونه سلطان حمود الثامر ))). يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام ، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير حمود بن ثامر بعد انتصاره وقتله لوالي بغداد وفرضه لسعيد بالقوة العسكرية كوالي لبغداد ، المجلد الثاني ، ص:281 (((وقصده الشعراء بالمدائح، فكانت جوائزه حديث الناس، أو كما يقول المؤرخ ابن سند: كجوائز بني العباس))).
كان هذا عرض موجز لبعض أبرز الأحداث في فترة حكم الأمير حمود بن ثامر السعدون ، وسوف يكون هنالك ان شاء الله بحث مفصل لاحقا عن فترة حكمه.
28- أمثال شعبية أرتبطت بحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله:
نسلط الضوء هنا على بعض الأمثال الشعبية التي أرتبطت بحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله، ونعرض شرح موجز عنها ، وكنا في هذا البحث قد تحدثنا عن جوانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله كما ذكرها معاصروه وهي تتعلق بقوة حكمه وشجاعته وإقدامه وآثاره العمرانية وتخطيطه العسكري والإقتصادي وثقله السياسي في تاريخ العراق والمنطقة الإقليمية ، بالإضافة الى صناعته لأهم حدث في تاريخ العراق والذي يدور حوله هذا البحث ، الا اننا هنا سوف نتطرق للجانب الأخر من شخصيته وهو ماتعبر عنه بعض الامثال الشعبية التي ارتبطت به.. هذا الجانب يتعلق بكون هذا الحاكم على الرغم من قوة شخصيته وعلى الرغم من كل ماواجهه في حياته من أحداث و معارك كثيره وبعضها كان ضخما إلا انه كان شخصية مرحه تحب المزاح مع شعبه وأبناء القبائل التابعه له.
1-كره ثويني لغضبان:
يضرب لشدة الكراهية التي تتحول لصداقة ، وذكره الرحالة الإنجليزي جيمس باكنغهام ، وقال باكنغهام أن ثويني بن عبد الله بعد هذه الكراهية لجأ إلى غريمه غضبان الكعبي حاكم الحويزة، فقام الأخير بإكرامه كما ولاه شكلياً على أحد المقاطعات التابعه له، وأهداه خاتمه دلالة على ذلك، فحوّل كرم الضيافة، ونبل الأخلاق العربية تلك الكراهية إلى نصرة وصداقة.
2-ردة أولاد واحد:
يضرب لمن يتمادى في غيّه، فيأتي من يردعه، وأصله أن مجموعة صغيرة من قبيلة الشريفات - عزوتهم (أولاد واحد) - خرجوا ذات ليلة باردة للسرقة (الحنشلة)، فلم يوفقوا، فعبروا النهر سباحة، ونزلوا ضيوفاً على حاكم ملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبد الله، وكان محباً للمزاح، فأدرك ماكان يقومون به فأحب أن يردعهم لكن بدون أن يبطش بهم، فطلب منهم أن يصوّروا عملية السباحة على أرضية المجلس، فخجلوا من ذلك، وقالوا: (لا تجوز السباحة إلا في النهر)، واستمراراً فيما بدأ به سار بهم إلى النهر، وأمرهم بالسباحة، ففعلوا، وظل يستزيدهم حتى قاربوا على الهلاك لبرودة المياه، فعبروا النهر إلى الضفة الأخرى، ولاذوا بالفرار، وثويني يناديهم: (ردّوا.. ردّوا.. أولاد واحد) ثم بعث من يأتي بهم، فجاءوه، وكافئهم. وهذا يعكس جانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله حيث أنه مع إمكانية بطشه بهم لممارستهم السرقة ، الا أنه أراد ردعهم بطريقة أقل حدة.
3-حالف ماأفارق ضيف الله:
يضرب لمن يعكف على مكان لا يفارقه، وقاله ضيف حل على حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبد الله ليلاً بعد فوات موعد العشاء، ولم يكن الضيف ذا قدر كبير، فاستأذنه الأمير ثويني في تقديم ما تبقى من وليمة العشاء له، فرفض الضيف، وطلب حق ضيافة الوجهاء كاملاً، وإن كان الوقت متأخراً، وعندها أمر الأمير ثويني بتحضير ضيافة الوجهاء بشكل كامل. وكان للأمير ثويني جفنة كبيرة تسمى (ضيف الله) تتسع لكيس رز كبير، وعندما قدم الطعام أصبح الأمير ثويني يقطع اللحم للضيف المتكبر، وقد سل جزءاً من سيفه، ويحث الضيف على الأكل حتى امتلأ، وأراد القيام لكن ثويني شدد عليه أن يستمر في الأكل حتى أوجس الضيف خيفة من هذه الحفاوة الزائدة، فـ (شد وسطه بكوفيته، ولف عباءته على كتفيه، وصار يدور حول الجفنة، ويردد بأسلوب حربي إيقاعي: حالف ما أفارق ضيف الله)، فضحك الأمير ثويني منه، وزاد في إكرامه.
4-بيعة طعيس:
يضرب للرجل الذي يصر على فعل ما، ولو أيقن أن فيه هلاكه، وقيل تذكيراً بفعلة طعيس مملوك بني خالد الذي اغتال الأمير ثويني بن عبد الله عام (1797م) وذلك عندما ضربه بحربه في ظهره غدرا وهو في معسكره.
5-هذا والعذر ياثويني:
مثل أصله كلمة قيلت في موقف بذل فيه المعتذر غاية مجهوده, وهي روحه العزيزة، وقد قالها الأمير نجم بن عبدالله لحظة مقتله في معركة غليوين سنة 1228هـ بعد مشاركته مع جيش والي بغداد عبد الله باشا لمهاجمة المنتفق. وكان الأمير نجم بن عبدالله جالياً مع أسرته وبناته لدى قبيلة زبيد مغاضباً لحاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر حمية منه لأخيه الأمير ثويني بن عبدالله.
29- خاتمه:
سلط هذا البحث الضوء على أحداث تاريخية مهمه صاغتها أسرة آل سعدون الأشراف ، أبرز أسرة عربية ظهرت في تاريخ العراق في العصر الحديث (الأربع قرون التي سبقت الحرب العالمية الأولى) ، وهي الأسرة التي أسست دولة عربية (مملكة المنتفق) والتي لعبت الدور الأبرز في تاريخ العراق ، وكانت معظم وقائع العراق تاريخيا مما يتعلق بها ، وهي الأسرة التي أسست أيضا اتحاد قبائل المنتفق وهو أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي ، وهذه الأحداث التي شملها البحث هي أحداث فريدة تاريخيا ، وبعضها لم تتمكن أي أسرة في العراق من أن تسبقهم بها أو حتى تكررها ، وهذه بعض الأحداث التي شملها البحث بشكل موجز وهي:
1- تعاون الدولة العثمانية والفارسية (في سابقة تاريخية) ضد الأمير مانع بن شبيب آل شبيب بعد أن عجزت الدولة العثمانية عن هزيمته واخراجه من مدينة البصرة والتي اتخذها عاصمة لمملكة المنتفق.
2- طرد الأمير مغامس بن مانع آل شبيب للبضائع الإنجليزية من البصرة بعد توقيعه لإتفاقية تجارية مع الهولنديين.
3- مواجهة الأمير مغامس بن مانع آل شبيب للدولة العثمانية بأكبر جيش يواجهها تاريخيا في العراق والجزيرة العربية.
4- بدء آل سعدون بتشجيع القبائل والعشائر العربية للهجرة للعراق منذ عهد الأمير محمد بن مانع آل شبيب ، وذلك للمحافظة على عروبة العراق في وجه العثمانيين والفرس ومحاولاتهم لطمس هوية العراق العربية.
5- ثورة الأمير سعدون بن محمد آل شبيب وتلقبه بسلطان العرب.
6- مرحلة حكم الأمير عبدالله بن محمد وتعرض الدولة في عهده لغزو فارسي ضخم وإبادة القوات الفارسية في معركتين (24 ألف مقاتل فارسي) مع بعض أبناء الأسرة الزندية الحاكمة في الدولة الفارسية (أخوان حاكم الدولة الفارسية) ، ثم تحرير البصرة.
7- تأسيس مدينة سوق الشيوخ للسيطرة على تجارة المنطقة.
8- فرض أسرة آل سعدون الأشراف لنفوذهم على كامل العراق في الفترة مابين 1813م -1817م في عهد الأمير حمود بن ثامر.
ولقد ناقش هذا البحث بشكل رئيسي أبرز الأحداث في فترة حكم حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وخصوصا أهم حدث في تاريخ العراق في الحقبة لعثمانية وذلك عندما قام الأمير ثويني بن عبدالله أولا بإعلان استقلال العراق بأكمله ومخاطبة الخليفة العثماني بذلك ، بعد جمعه لمعظم عرب العراق في وجه العثمانيين ، ثم ماقام به ثانيا من توحيد العرب والأكراد في توجه موحد لإستقلال العراق بأكمله ، مضحيا بحكمه مرتين في سبيل ماسعى اليه وهو ماشكل سابقتين في تاريخ العراق ، وعلى الرغم من كونه كان يستطيع أن يبقي الوضع على ماهو عليه من حكمه لنصف العراق وتقاسمه للنفوذ على مدينة البصرة مع العثمانيين ، الا انه أختار الطريق الأصعب وصناعة التاريخ بحدث لم يسبقه أحد اليه ولم يكرره أحد بعده. ولقد كان إنشقاق الأمير حمود قد فوت على عمه الأمير ثويني فرصة النجاح بشكل كامل في الإستقلال بالعراق وطرد الاتراك منه حيث انهم لو كانوا متحدين مثل ماحصل في معركة غليوين ، لكان العراق بأكمله عربيا منذ تلك اللحظة. والغريب أنه بعد كل المعارك التي خاضها الأمير ثويني بن عبدالله أمام امبراطوريات كبيرة مثل دولة الخلافة العثمانية والدولة الفارسية أو دول أقليمية أصغر مثل دولة بني خالد أو الدولة السعودية الأولى أو دولة بني كعب وسواء كان يقود قوات ضخمه من دولته أو كان يقود قسم صغير من اتباعه لم يكن مقدرا له أن يقتل في ميدان القتال بل كان قدره أن يتم اغتياله خارج ساحة المعركة.
في الختام نذكر بشكل موجز وفاة بعض أبرز الشخصيات التي ذكرها هذا البحث مرتبه حسب تاريخ الوفاة ، أولا الإمام أحمد بن سعيد حاكم عمان توفي عام 1783م ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، عند حديثه عن حاكم عمان الامام أحمد بن سعيد ، ص: 130((( فهو لذلك كله يستحق أن ندرسه ضمن قادتنا البارزين ، الذين حققوا الوحدة لبلادهم ، ووقفوا بوجه الأخطار الأجنبية ، بخاصة الفارسية ، حتى وفاته عام 1783م))). ثانيا الأمير سعدون بن عريعر حاكم دولة بني خالد توفي عام 1791م (1205هـ) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 361 ((( ذكر أنه توفي في الدرعية بعد أكثر من خمس سنوات من لجوئه اليها))). ثالثا الأمير عبدالمحسن بن سرداح حاكم دولة بني خالد قتل عام 1792م (1206هـ) ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، أحداث سنة 1206 هـ ، ج: 1 ، ص: 179 ((( وفيها قتل عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد بالقديم ، وذلك أن عبدالمحسن بعد وقعة غزيميل المتقدمة هرب الى المنتفق ، وتولى في بني خالد زيد بن عريعر كما ذكرناه من قبل ، ثم ان زيد المذكور واخوانه أرسلوا الى عبدالمحسن وبذلوا له الصداقة والأمان، ووعدوه ومنوه ، حتى جاء اليهم واجتمع بهم فقتلوه في مجلسهم))). رابعا الأمير براك بن عبدالمحسن حاكم الأحساء الأسمي المعين من قبل الدولة السعودية الأولى قتل عام 1798م (1212هـ) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 364 ((( هو أخر حكام بني خالد ، خلف والده في زعامة المعارضين لأبناء عريعر ، وقد حاول مقاومة الدرعية ولكنه قنع في النهاية بعد هزيمة الشيط وماأعقبها من أحداث بزعامة الأحساء كأحد الأمراء المعينين من قبل الدرعية ، الا أنه كان متقلبا في ولائه للدرعية حتى قتل في احدى غزوات عبدالعزيز بن محمد على قبيلة شمر في العراق سنة 1212هـ / 1797 – 1798 ))). خامسا سليمان باشا والي بغداد توفي عام 1802م (1217هـ)، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 242 ((( وفي السنة المتممة للثلاثين من ولادة المترجم الرشيد الامين والناصر لدين الله ... توفي الوزير سليمان ابو سعيد)))، هي السنة الثلاثين من ولادة داوود باشا. سادسا الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود حاكم الدولة السعودية الأولى قتل عام 1803م ( 1218هـ) ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 264 ((( ثم دخلت السنة الثامنة عشر بعد المائتين والألف ، وفي هذه السنة في العشر الاواخر من رجب ، قتل الامام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في مسجد الطريف المعروف في الدرعية ، وهو ساجد في أثناء صلاة العصر ، مضى عليه رجل قيل انه كردي من أهل العمادية بلد الاكراد المعروفة عند الموصل اسمه عثمان .... فوثب عليه من الصف الثالث والناس في السجود ، فطعنه في أبهره رحمه الله ، أو في خاصرته أسفل البطن ، بخنجر معه كان قد أخفاه وأعده لذلك))). سابعا سعيد باشا والي بغداد (المنصب من قبل حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر) أعدم من قبل العثمانيين في عام 1817م ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، المجلد السادس، ص: 277 ((( ثم قتله محمد آغا معتمد حالت داخل القلعة يوم الأربعاء 10 من شهر ربيع الآخر. وحكى صاحب تاريخ الكولات تفصيل مأساة قتلته بشكل روائي داع للألم. وبين قسوة داود باشا، وأن آغا الينكجريه وبعض الأعوان الآخرين قد عهد اليهم بقتله فقتلوه. أخذوه من حجر أمه... فانتهت المأساة))). أخيرا الأمير حمود بن ثامر حاكم مملكة المنتفق توفي بالطاعون عام 1831م (1247هـ)، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 178 ((( أصيب بالطاعون ، فتوفى في 13 شعبان 1247هـ الموافق 1831م عن عمر يتجاوز السبعين))). رحمهم الله جميعا.
30-ملحق: السياسات العثمانية تجاه آل سعدون منذ القرن التاسع عشر وسقوط مملكة المنتفق في الحرب العالمية الأولى:
تعاملت الدولة العثمانية مع مملكة المنتفق بعدة سياسات الهدف منها هو القضاء عليها ومن هذه السياسات الحملات العسكرية الضخمه والمتتابعه لعدة قرون والتي لم يتعرض لمثل عددها وحجمها اي امارة او قبيلة في العراق ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))) ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه كتاب عشائر العراق ، ج4 ، قسم امارة المنتفق ، ص: 26 ((( ولايهمل ماوقع من تدابير متخذة لامر فل القوة أو جعلها بحالة ضعيفة لاتستطيع مقاومة الحكومة أو الدولة في تدابير القضاء على امارتها باقتطاع أجزاء منها من جهة البصرة، ومن انحاء العمارة، ومن أطراف السماوة لفصل سلطة بعض العشائر. وحوداث ذلك تدعو الى ماينبه على السياسة المتبعه. أو ماتخذته هذه الامارة من تدابير لدرء الخطر الذي شعرت به، وفي كل هذه تدهشنا ناحية مهمة وهي ان العشائر لم تنفصل عن الامارة، وانما ناضلت معها نضال المستميت ودافعت دفاع الابطال))) ، وتخلل هذه المحاولات من الدولة العثمانية فترات توافق سياسي بين الطرفين ، ومنذ العام 1832م بدأت الدولة العثمانية تحرز تقدما بطيئا في التفوق على مملكة المنتفق ، وتنوعت سياساتها وأصبحت على شكل مراحل ، لكل مرحلة ملامح خاصه بها ومده زمنية ، أما العامل المشترك والذي بدأ العثمانيون فيه قديما واستمروا به في كل المراحل التالية هو اللعب على وتر الانشقاق بالأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل شبيب سابقا وآل سعدون لاحقا ) ، تبدأ أول هذه المراحل عندما أستطاع العثمانيون ومنذ الربع الثاني من القرن التاسع عشر إجبار حكام مملكة المنتفق المتصارعين على الحكم على الإنتظام بدفع الضرائب للعثمانيين منذ عام 1832م – ماعرف بمرحلة الالتزام ، وبدأت هذه المرحلة بعد الطاعون الكبير الذي ضرب العراق والذي أضعف موقف آل سعدون أمام العثمانيين حيث فقدوا معظم السكان في عاصمتهم مدينة سوق الشيوخ والتي انخفض عدد المنازل فيها من 20 ألف منزل قبل الطاعون الى 800 منزل بعده ، والذي أدى الى خسائر اقتصادية أيضا لـ آل سعدون ، يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))) ، وقد كانت أبرز ملامح هذه المرحلة هي إقتناع الدولة العثمانية بعدم جدوى محاولة القضاء على مملكة المنتفق بالحل العسكري فقط ، لذلك اتجهت الى سياسة أخرى بجانبه وهي دعم الطامحين بالحكم من ابناء الأسرة الحاكمه في مملكة المنتفق وإشاعة ذلك بينهم مما ترتب عليه ظهور العديد من المتنافسين من ابناء الأسرة وكل ماكان عليهم القيام به هو الذهاب لبغداد وطلب الدعم للوصول الى الحكم ضد الحاكم الفعلي وتقوم الدولة العثمانية بتوفير الدعم العسكري والمادي والسياسي لهم ، مقابل قيام المتنافسين بخلق انصار لهم بداخل دولتهم من قبائلهم وعشائرهم وتعهدهم بدفع الضرائب للدولة العثمانية.
ثم تبع ذلك المرحلة الأخطر والأكثر تأثيرا وهي مرحلة الإفراز ، والتي بدأت منذ عام 1853م وحتى عام 1881م والتي تعني التنازل عن مناطق بكامل عشائرها وقبائلها للعثمانيين بموجوب وثائق يتم توقيعها وتم خلالها التنازل عن أكثر من نصف مساحة مملكة المنتفق للعثمانيين وتتلخص هذه المرحلة بدعم أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (آل سعدون) ضد الحاكم الفعلي من أبناء عمه, وهذا الدعم يكون بالقوات العسكرية العثمانية والسلاح والإعتراف السياسي بحكمه، وذلك مقابل تخلي الحاكم الجديد عن اراضي من دولته بكافة قبائلها وعشائرها للدولة العثمانية، وكان أول إفراز هو إفراز لواء السماوة كاملا بكل عشائره وقبائله والتنازل عنه للدولة العثمانية وذلك عام 1853م من قبل الأمير منصور السعدون. يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م ) ، مرحلة الإفراز وتدرج العثمانيين باقتطاع أراضي مملكة المنتفق.، ص: 29 (((وتم للعثمانيون ماارادوه في بلاد المنتفق وكانوا يعملون عليه منذ قرون فقد جاؤا على البنيان بالهدم حجارة حجارة حتى اتوا عليه وقد تدرج العثمانيون ينتقصون مملكة المنتفق من السماوة والعمارة ومن أنحاء البصرة))). يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى ، آثار الصراع على الحكم في مملكة المنتفق ، في كتابه عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في أواخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر ، ص: 23 ((( وحاصل الأمر ان حكم المنتفق مرج وتغلبت عليهم الدولة ، فكانوا يولون من أرادوا توليته ويعزلون من ارادوا عزله ، وذلك لكثرة خلافهم وتفرقهم )))، ومن السياسات التي بدأت الدولة العثمانية في هذه المرحلة تطبيقها في محاولة لإستمالة آل سعدون ، هي سياسة منحهم ألقاب رسمية عثمانية ، حيث كان الأمير منصور السعدون أول من حصل على لقب (باشا) من آل سعدون ، حيث منح سنة 1276هـ (1860م) رتبة (مدير الإسطبل العامر) مع لقب (بيك) ثم (باشا) بعد ذلك ، و استمرت الدولة العثمانية في هذه السياسه منذ ذلك الوقت ، وأصبح حكام مملكة المنتفق يظهرون بألقاب عثمانية. تخلل هذه المرحلة حدثين مهمين وهما تأسيس لواء المنتفق عام 1869م ثم تأسيس ولاية البصرة الكبرى عام 1874م ،حيث كان الأمير منصور بن راشد السعدون يقيم في بغداد وأحد أعضاء مجلس الحكم فيها وذلك بعد صراعه على الحكم مع أخيه الأمير ناصر السعدون وولد عمه الأمير فهد بن علي السعدون ، وقد أراد الأمير منصور السعدون الوصول للحكم بدعم عثماني و بنفس الوقت إيقاف سياسة الإفراز تجاه مملكة المنتفق لذلك عرض على العثمانيين ضم ماتبقى من مملكة المنتفق الى الدولة العثمانية في حال دعمهم له للوصل الى الحكم ، وان يصبح في منصب متصرف في أراضي المنتفق وبالتالي لايوجد مبرر لطلب التنازل عن أراضي من مملكة المنتفق الى العثمانيين ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مجلد: 7 ،حوادث سنة 1280هـ - 1863م ،ص: 168 (((وكان الشيخ منصور من أعضاء المجلس الكبير ببغداد وهو منقاد لرأي الحكومة، فأبدى أن لاحاجة الى فصل بعض المواطن، وبين أنه اذا عينته الحكومة قائممقاما (متصرفا) جعل المنتفق كلها تابعة للدولة كسائر البلاد العثمانية))) ،ومنذ ذلك التاريخ بدأت المنتفق تفقد استقلالها ، وأصبحت مرتبطه جزئيا بالدولة العثمانية وبشكل رسمي ، يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة لقبائل المنتفق (أسرة السعدون الأشراف)، في كتابه الكويت وجاراتها، ج1، ص: 159 (((وقد هاجروا من الحجاز إلى بلاد ما بين النهرين في أوائل القرن السادس عشر. وفي ظل عائلة السعدون حافظ اتحاد المنتفق على استقلاله من الأتراك حتى سنة 1863))) ، وكان الأمير ناصر السعدون (منافسه على الحكم) قد أدرك خطورة هذه الخطوة في حال تطبيقها فعليا ، لذلك وبعد صراع سياسي بين العثمانيين وحكام المنتفق ، اتفق الأمير ناصر السعدون مع مدحت باشا والي بغداد على تحويل ماتبقى من مملكة المنتفق الى لواء يسمى باسم لواء المنتفق يحكم من قبل آل سعدون ويعترف بالتبعية الأسمية للعثمانيين ويكون حل وسط يرضي جميع الأطراف ويؤدي الى تهدئة المنطقة ، وقد رفع مدحت باشا ذلك للباب العالي وتم الموافقة عليه ولذلك تقرر أن يقوم الأمير ناصر السعدون ببناء عاصمة جديدة في عام 1869م تكون مركزا للواء المنتفق، وكان الأمير ناصر قد حصل سابقا في عام 1867م على رتبة "أمير الأمراء" ولقب "باشا" من قبل الدولة العثمانية . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، وذلك عند حديثه عن والي بغداد مدحت باشا، ج:4 ، ص: 119 ((( قرب ناصر باشا وارضاه واستغله لاموره الاخرى .. وان ناصر باشا لم ير بدا من تنفيذ رغبات الوالي فبنى بلد (الناصرية) باسمه سنة 1268هـ - 1869م. وبذلك ألغى فعلا امارة المنتفق بتأسيس هذه المدينة فصارت مركز اللواء ، وكانت مقدمة الاستيلاء على هذه الامارة))).
|
|
|
19-06-2012, 10:49 PM
|
#16
|
|
أدى تأسيس لواء المنتفق الى إستقرار المنطقة في الفترة التالية ، وكان مدحت باشا (والي بغداد) يطمح لضم الأحساء الى الدولة العثمانية ، ولم يكن ذلك ممكنا بدون استقرار المنتفق لذلك ماان تمت تهدئة المنطقة (بعد تأسيس لواء المنتفق) حتى جهز والي بغداد حملة عسكرية لضمها ، وقد دعم الأمير ناصر الحملة عسكريا حيث كان أحد قادتها (وكان وقتها قد أصبح متصرفا للواء البصرة أيضا ) ، وقد شهدت تلك الفترة صراع بين الإمام عبدالله بن فيصل آل سعود وأخيه سعود (حكام الدولة السعودية الثانية) ، وقد قام الإمام عبدالله بتوجيه رسالة استغاثة وطلب مساعدة الى والي بغداد مدحت باشا ووالي البصرة الأمير ناصر السعدون والى نقيب البصرة ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، عند حديثه عن الامام عبدالله بن فيصل آل سعود ، أحداث سنة 1287هـ ، ص: 203 ((( وأرسل الشيخ عبدالعزيز بن الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز أبا بطين برسائل ، وهدايا لباشا بغداد ، وباشا البصرة ، والنقيب محمد ، وطلب منهم النصرة والمساعدة على أخيه سعود فوعدوه بذلك ، وأخذوا في تجهيز العساكر الى الأحساء والقطيف))). وبعد أن تم ضم الأحساء للدولة العثمانية طلبت الدولة العثمانية من الأمير ناصر السعدون بتطبيق نظام حكم محلي في الأحساء لتقليل النفقات لذلك قام الأمير ناصر السعدون بالذهاب الى الأحساء يرافقه عشرة آلاف مقاتل وأربع سفن عثمانية ، وعقد مؤتمرا كبيرا بين فيه سياسة الدولة العثمانية التي تعتزم تنفيذها وقام بتعيين شيخ قبيلة بني خالد الشيخ بزيع بن عريعر حاكما للأحساء ، وذلك لكون الأمير ناصر السعدون (ناصر باشا) متزوج من أخت شيخ بني خالد بزيع بن عريعر ، وله منها بنت تزوجها ولد عمها الأمير سليمان بن منصور السعدون ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، وهو المعاصر للأحداث ، وذلك في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، قسم المنتفق ، ص: 434 (((لأن أخت بزيع المسماة (نجلة) كان متزوجها ناصر باشا وقد أعقب منها بنتاً سماها (طرفة) فتزوجها سليمان بيك بن منصور باشا بن راشد فولدت له عدة أولاد ستأتي أسماؤهم في ما بعد))).
بعد تعيين الشيخ بزيع بن عريعر على الأحساء من قبل الأمير ناصر السعدون لم يستقر الحكم العثماني فيها وذلك بسبب محاولة الإمام عبدالرحمن بن فيصل حاكم الدولة السعودية الثانية استعادتها وقد تم حصار الشيخ بزيع في أحد القلاع بعد ان اندلعت ثورة كبيره ضده واستطاع أن يرسل طلب استغاثة ، لذلك طلب والي بغداد من الأمير ناصر السعدون تثبيت الحكم العثماني في الأحساء ، وقد جهز الأمير ناصر السعدون حمله كبيرة من 20 ألف مقاتل وزحف على الأحساء واستطاع هزيمة الإمام عبدالرحمن بن فيصل وقواته وتثبيت الحكم العثماني في الأحساء، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، عند حديثه عن سنة 1291هـ، صفحة : 218 (((فأمر باشا بغداد ناصر بن راشد بن ثامر بن سعدون رئيس المنتفق أن يسير إلى الأحساء، وعقد له امارة الأحساء والقطيف، وجهز معه عساكر كثيرة من بغداد، واستنفر ناصر بن راشد رعاياه من المنتفق وغيرهم من بادية العراق، فاجتمع اليه جنود عظيمة فسار بهم إلى الأحساء. فلما قرب من بلد الهفوف ,خرج اليهم عبد الرحمن بن فيصل ومن معه من العجمان، وآل مره، وأهل الأحساء، ووقع بين الفريقين قتال شديد فانكسر أهل الأحساء، وانهزموا إلى بلادهم، وتتابعت الهزيمة على العجمان ومن معهم من العربان، وتوجه الامام عبد الرحمن إلى البحرين))).
وقد قام الأمير ناصر السعدون بعدها بعزل الشيخ بزيع بن عريعر وتعيين ابنه الأمير مزيد بن ناصر السعدون حاكما على الأحساء ، يذكر الدكتور محمد عرابي نخلة، في كتابه تاريخ الأحساء السياسي (1818 – 1913)، ص: 199 (((مما دعا السلطات العثمانیة إلى تغییر سیاستها في حكم البلاد، فقامت بمحاولة اقرب ما تكون إلى تطبیق نظام الحكم المحلي، لأن نظام الحكم المباشر الذي كانوا یتبعونه اثبت فشله لعدة أسباب أهمها:كثرة النفقات المالیة التي كان یتكبدها العثمانیون في الانفاق على وجودهم العسكري في الاقلیم وثانیها: قسوة المناخ. وثالثها : فقر المنطقة وبعدها عن مركز الخلافة، كل الأسباب كانت وراء التغیر الذي اعتزمته الدولة، فأسندت إلى (ناصر السعدون) متصرف البصرة وزعیم قبائل المنتفق مهمة تطبیق نظام قلیل التكالیف في الاحساء، ولقد وقع اختیار (ناصر) على صهره وزعیم قبیلة بني خالد الموالیة للعثمانیین (بركة بن عریعر) لتسلم منصب المتصرف في ذلك الاقلیم، فغادر (ناصر باشا) مدینة البصرة إلى الاحساء وبصحبته اربع سفن عثمانیة هي (أشور، أبوس، ولبنان، وسینوب) وكان یصحبه (احمد باشا) قائد الحامیات العثمانیة في الاحساء، وعقد (ناصر باشا) مؤتمرا كبیرا في مدینة الهفوف اعلن فیه عن سیاسة الدولة التي تعتزم تطبیقها في البلاد واعلن ایضا عن تنصیب صهره (بركة بن عریعر) متصرفا للاقلیم وترك له قوة صغیرة من الشرطة العسكریة لتساعده في إقرار الامن، وترك له ایضا بعض رجال الحامیات وقام بسحب معظم جنود الدولة من الاقلیم وعاد بهم إلى البصرة ولكن تلك الترتیبات التي اتخذت في مارس ١٨٧٤ لم تعمر طویلا، ولم یقدر لتلك التجربة النجاح، فاضطر (ناصر باشا) إلى العودة مرة أخرى إلى الاحساء على اثر الثورة التي اندلعت في الاقلیم بزعامة (عبد الرحمن بن فیصل) في اواخر عام ١٨٧٤، وقام باخضاع الثورة بلا هوادة وعین ابنه (مزیدا) متصرفا للدولة في الاحساء وعاد إلى البصرة في فبرایر عام 1875 لتكافئة الدولة على اعماله تلك بتعیینه والیا للبصرة التي رفعت إلى درجة الولایة في ذلك العام))).
ملاحظة: تذكر بعض المصادر بالخطأ ان اسم شيخ بني خالد هو بركة بن عريعر والصحيح ان اسمه بزيع بن عريعر.
بعد ذلك قابل الأمير ناصر السعدون الخليفة العثماني وطلب فصل ولاية البصرة عن ولاية بغداد وقد تم مكافأته على جهوده بتنفيذ طلبه حيث تأسست ولاية البصرة الكبرى (والتي تشمل لواء البصرة ولواء العمارة ولواء المنتفق ولواء نجد - الأحساء) وعين الأمير ناصر السعدون كأول والي عليها بعد أن نجح في فصلها عن بغداد أداريا وربطها بالدولة العثمانية مباشرة ، وتظهر ولاية البصرة الكبرى في الخرائط العثمانية كولاية مستقله , وهذه خريطة لولاية البصرة الكبرى تاريخيا:
سجل لمشاهدة الروابط
يذكر الدكتور عبد العزيز عبد الغني، في كتابه أمراء وغزاة.. قصة الحدود والسيادة الإقليمية في الخليج (دراسة وثائقية)، ص: 116 (((عين العثمانيون ناصر باشا واليا على المقاطعة الساحلية التي تضم البصرة وتوابعها بمافي ذلك متصرفية نجد. وخشي الكثير من الشيوخ المهادنين مغبة تولي عربي من شيوخ المنطقة منصبا رفيعا كهذا، وشعروا بأن هذا الأمر سيجعل مهمة العثمانيين في استقطاب القبائل في المنطقة وماجاورها أمرا ميسورا، وكتبوا بذلك إلى المقيم البريطاني. وكان ناصر باشا قد أقال حال وجوده في الأحساء بزيغ من منصب المتصرفيه وأقام ابنه مزيد أميرا عليها. وحين غادر ناصر باشا إلى البصرة ترك مع ابنه مزيد حوالي 900 من الجنود النظاميين. واستمر مزيد في منصبه حتى عام 1293هـ / 1876م))).
لقد تسببت مرحلة الافراز في هجرة العديد من القبائل والعشائر من مملكة المنتفق ، وقد كان هنالك وجهتين رئيسيتين لهذه الهجرات ، الوجهة الأولى كانت منطقة عربستان (حيث شكلت قبائل وعشائر المنتفق ثقلا عدديا كبيرا هناك ، لكنها فقدت وحدتها في أراضيها الجديدة) ، يذكر هذه الوجهة للهجرات مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، عند حديثه عن آثار السياسات العثمانية على مملكة المنتفق ، المجلد السابع ، ص:273 ((( ان الخلاف بين أمراء المنتفق ، وتنازعهم السلطة من الأسباب المهمة للقضاء على هذه الامارة وتعد كافية لنجاح مشروع الدولة في الاستيلاء على هذا اللواء كما استولت على بابان وغيرها .. ولكن هناك عوائق حالت دون الاتمام وكلفت الحكومة كلفا عظيمة أدت الى القسوة بالأهلين ومن أهمها تزييد بدلات الالتزام، واقتطاع أقسام من أراضي المنتفق مع الاحتفاظ بهذه الزيادات، فقد ولدت ظلما ، وأنتجت ارتباكا ، ودعت الى أن يهرب العدد الكبير من العشائر الى أنحاء ايران. فكان ذلك التشوش مطلوبا منها ، وداعية الكره والحنق عليها ، وقتالها بتهالك زائد حبا في الانتقام وأخذ الحيف))). أما الوجهة الأخرى فقد كانت مناطق العراق العثمانية شمال مملكة المنتفق (ولاية بغداد) ، يذكر هذه الوجهة للهجرات المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 403 (((لاسيما أن منطقة المنتفق خرج منها مرارا وتكرارا مهاجرون توجهوا نحو الشمال))).
استدعى الخليفة العثماني الأمير ناصر (باشا) السعدون الى مقر الخلافة ، وذلك بعد هروب قاسم باشا آل زهير الى استنبول ومقابلته للخليفة العثماني وتحذيره له من نية الأمير ناصر السعدون الإستقلال بكامل ولاية البصرة الكبرى عن الدولة العثمانية ، وتم عزل الأمير ناصر السعدون من ولاية البصرة وتعيينه في مجلس الشورى العثماني بأمر من الخليفة العثماني عام 1877م ، وهو مايبدو في ظاهره كتكريم له ولكنه في حقيقته يمثل وضعه قيد الإقامة الجبرية ولكن بشكل لطيف ، ووقتها بدأت الدولة العثمانية محاولة القضاء على ماتبقى من مملكة المنتفق (لواء المنتفق) ، ووقتها كان الأمير منصور السعدون مقيما في بغداد وأحد أعضاء مجلس الحكم فيها ، ولكنه مثل أخيه كان قيد الإقامة الجبرية ولكن بشكل لطيف ، لذلك ماان وجد فرصة للهرب من بغداد حتى استغلها واتجه لقبائله وقد وضع نصب عينيه الثورة على العثمانيين والغاء كل ماتم الاتفاق عليه خصوصا بعد اتضاح نية العثمانيين في القضاء على مملكة المنتفق بشكل نهائي بعد أن أضعفوها بسياساتهم، وبعد وصول رسائل من أخيه الأمير ناصر السعدون في استنبول تحثهم على التجهز لمواجهة الدولة العثمانية التي كانت تنوي بشكل جدي التحرك عسكريا ضدهم ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 65 ((( ان الدولة كانت تخشى من منصور باشا أن يحدث اضطرابا في المنتفق. ولذا أمرته بالاقامة في بغداد وجعلته عضوا في مجلس الادارة ، فهو معزز مكرم ظاهرا ، ولكنها كانت تخشى أن يولد قلاقل فهي في حذر منه))). وما ان وصل الأمير منصور السعدون الى مملكة المنتفق حتى اعلن بين القبائل والعشائر استقلالهم عن العثمانيين وانهم سوف يدافعون عن أراضيهم بكل قوة ، وكانت الدولة العثمانية قد أرادت أن تسبق الأمير منصور السعدون وتباغته بجيش قوامه ثمانية آلاف مقاتل ، الا انه سبقهم وجمع عشرة آلاف من الفرسان ، مما أوقف أي تحرك عسكري ارتجالي ضده ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 66 ((( وكانت الحكومة أرسلت أربعة أفواج لتسكين الحالة. وفي هذه المرة صدر أمر بارسال عشرة أفواج نحو ثمانية آلاف جندي الا أن هذا المقدار غير كاف للتغلب على منصور باشا فانه تجمع لديه نحو عشرة آلاف من الفرسان))). وبدأت الدولة العثمانية التجهيز للمعركة الفاصلة بين الطرفين وأرسلت ثلاثين ألف بندقية كدعم عسكري لبغداد وللبصرة ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص:66 ((( أرسلت الى بغداد والبصرة ثلاثين ألف بندقية من صنع مارتين هنري))). وبذل قائد القوات العثمانية كل مابوسعه لإنجاح الحملة خصوصا وأن الأمير منصور السعدون بدأ بالتعرض للواء العمارة ولواء البصرة الذين فصلا سابقا عن مملكة المنتفق ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 67 ((( بذل الرئيس الجهود الكبيرة ليحصل على النجاح ، وذلك لأن منصور باشا أعلن نفسه (سلطان للبر) ، وأعلن استقلاله في لواء المنتفق وصار يتعرض بالعمارة والبصرة ، وأما أخوه ناصر باشا فانه في كان في استنبول يغفل هيئة الوكلاء))).
وبدأ القائد العثماني بتقييم الوضع في العراق لإزالة نفوذ آل سعدون بشكل نهائي ، وأرسل رديف باشا للدولة العثمانية يخبرهم من أن التخلص من آل سعدون بشكل كامل يتطلب تجهيز مائة وخمسين ألف مقاتل ، الا ان الدولة العثمانية رأت استحالة تنفيذ هذا الطلب ، وطلبت من القادة العثمانيين بالعراق الهجوم بما لديهم من قوات ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 68 ((( ومن ثم أبرق القائد الرئيس الى السلطان: "أيها السلطان ان ليرات السعدون ، وحرص الوكلاء الحاضرين وطمعهم اذا كانا موجودين فلا يمكن اصلاح العراق". كان لهذه البرقية أثرها ، فأربكت أمر الحكومة سواء في المابين، أو في دوائر الدولة الأخرى ، فقيل أن تأديب هؤلاء يحتاج الى قوة عسكرية متألفة من 150 ألف جندي كما بين ذلك رديف باشا في لائحته. وكان جواب البرقية بأن هذه تحتاج الى قوة مالية ، والحالة لاتساعد على ادارة مثل هذا الجيش الا أنكم اذا كنتم تميلون الى غير ذلك فالمسؤولية تكون في عهدتكم وامضوا بما عندكم من موجود))). لذلك وجد عزت باشا بأنه يجب أن يفصل بعض القبائل عن حكام مملكة المنتفق آل سعدون قبل المعركة ، فجرت بينه وبين أمير قبائل ربيعة مراسله وأستطاع اقناعه بالتخلي عن آل سعدون ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 68 ((( وفي هذه المدة خابر أمير ربيعة فتمكن القائد من فصله عن آل السعدون))).
وقد كانت خطة المنتفق العسكرية للتغلب على سلاح المدفعية العثماني تتلخص بتجهيز ثلاثة آلاف بعير يتم سد آذانها بالزفت وعلى كل منها شخصين احدهم يوجه البعير الى المدفعية العثمانية والآخر خلفه ينثر الرمال من كيس كبير حتى يعدم الرؤية على سلاح المدفعية العثماني ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 67 ((( سارت أمامها نحو ألفين أو ثلاثة آلاف بعير. سدوا آذانها بالزفت ، ووضعوا عليها أكياس الرمل ، وركب عليها بعض المتطوعين ، جعلوه في الأمام وآخر خلفها .. وصار يسوقها بعصي من حديد ، وبشدة عظيمة ، وهاجموا بها الجيش ، والأول صار يذري الرمال من الأحمال التي على بعيره ليشوش الهدف بغبار كثيف ، فصار لايشاهد ماوراء الغبار))). وكادت الخطة العسكرية أن تنجح لولا حدوث حدث غير متوقع قلب ميدان المعركة كله رأسا على عقب ، حيث أن عشيرة المياح ( أحد عشائر ربيعة) بدلت ولاؤها وقامت بهجوم مفاجىء على معسكر آل سعدون ونهبه ، وهو المعسكر الذي كان يحتوي على أموالهم وأهلهم والذين تركوهم قريب من ميدان القتال ، لذلك وما أن وصلت الأخبار الى ميدان المعركة حتى انسحب آل سعدون من ميدان المعركة ومن قيادتها واتجهوا للدفاع عن أموالهم وأولادهم ، مما تسبب في فوضى كبرى ، أدت الى انتصار عثماني كبير ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 71 ((( فنهب مياح أموال السعدون. فرجع منصور باشا مع من معه لانقاذ أموالهم وعيالهم من العشائر التي خانت وصار الظفر لعزت باشا. ونهب الجيش غنائم كثيرة فبيعت في بغداد وصارت لخزانة))). وقد طاردت الدولة العثمانية آل سعدون حتى اضطروا الى الخروج من العراق واللجوء الى حاكم عربستان الأمير مزعل ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 220 ((( فقد وجدوا أن التوجه الى " الحويزة" والنزول بجوار أمير عربستان ( مزعل الحاج جابر المرداو) أكثر أمانا من أية منطقة أخرى))). وقد كان رديف باشا صادقا في تقديره للقوة اللازمة للتخلص من آل سعدون بشكل نهائي ، حيث عاد آل سعدون بعد المعركة بسنوات قليلة وأستطاع الأمير سعدون السعدون اعادة تأسيس الدولة ولكنه دخل بصراعات داخلية كثيرة ولم تكن مملكة المنتفق بنفس ماكانت عليه من قوة قبل معركة كون الريس.
ثم بدأت مرحلة مابعد سقوط المنتفق الأول - بمعركة كون الريس ضد الدولة العثمانية - منذ عام 1881م والتي تسببت في انقسام الدولة بعد سقوطها الى قسمين متصارعين قسم معادي للعثمانيين يقع يمين الفرات وفي بادية العراق الجنوبية ويشمل معظم قبائل المنتفق البدوية تحت حكم الأمير سعدون السعدون (سعدون باشا بعد عام 1904م) والذي بدا استعادة وحدة مملكة المنتفق بعد سقوطها بسنوات قليلة مما ادخله بحروب داخلية كثيرة، وقسم موالي للعثمانيين بمنطقة الجزيرة مابين الفرات ودجلة ونهر الغراف تحت حكم الأمير فالح (باشا) السعدون ، يتحدث هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه الكويت وجاراتها ،عن هذه الفترة ، ج : 1، ص : 161 (((وفي تلك الأثناء أصبح المنتفق موزع الولاء بين فالح باشا وسعدون باشا ابن الشيخ منصور. وكان ينظر إلى سعدون بأنه ممثل المبادئ القبلية القديمة. فأنصار فالح كانوا يقطنون المنطقة ما بين دجلة والفرات، بينما الجماعات القبلية الموالية لسعدون باشا كانت تقطن الضفة اليمنى من الفرات))). يذكر نفوذ حاكم مملكة الأمير سعدون السعدون في هذه الفترة ، العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للأمير سعدون السعدون وللحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، قسم المنتفق ، وذلك عند حديثه عن الأمير سعدون السعدون واستعادته لوحدة قبائل مملكة المنتفق من جديد ، ص: 444 (((وجعل مقره في الموضع المسمى (شقرا) وأنشأ فيها قصراً مشيداً ثم سكنه فازدادت أهمية سعدون باشا لدى العشائر وهابته فخضعت له غالب الأعراب من حدود (النجف) إلى حدود (الكويت) وفرض على الرعاة وبعض العشائر (خراجاً) يستوفيه منهم جبراً. ثم بعد يسير من الزمن جعلت العشائر الرحل تؤدي له الزكاة طائعة بنفسها خوفاً من غاراته المتوالية وتأميناً لها من غزوات بعض عشائر المنتفق (لأنهم إذا انتسبوا إليه يكفون عنهم) ثم لما استفحل أمر سعدون باشا صار يشن الغارات في شمال داخل جزيرة العرب على حدود عشائر (سورية) إلى أطراف نجد جنوباً. فنشأت له سطوة وهيبة عظمى بين الأعراب))). ويذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه الكويت وجاراتها، نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير فالح بن ناصر السعدون في تلك الفترة (مابعد عام 1881م) والذي كان حاكما لمملكة المنتفق قبل سقوطها في كون الريس عام 1881م وهو منافس الأمير سعدون السعدون على الحكم في الفترة التالية لعام 1881م ، وذلك عند حديث المؤلف عن الأمير فالح بعد وفاته ، ج : 1، ص : 162 ((( فالح باشا السعدون : سابقا رئيس جميع القبائل القاطنة بين دجلة والفرات))). وفي عام 1904م حصل الأمير سعدون السعدون على العفو من السلطان العثماني بالإضافة إلى لقب (باشا) وذلك بعد توسط الأمير عبد العزيز الرشيد (حاكم دولة آل رشيد – التي تشمل نجد) له لدى الخليفة العثماني، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، وهو المعاصر للأحداث وذلك في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، قسم المنتفق ، ص: 450 (((وظل سعدون باشا مستمراً على العبث في أطراف العراق إلى أن جاءه من السلطان عبد الحميد الثاني (العفو السلطاني) في أواخر عام (1322هـ 1904م) فأمن جانبه وهدأ من الفتن وأعاد أهله وعائلته إلى مقره في الشامية وإن الساعي بالصلح بين سعدون باشا والدولة العثمانية هو الأمير عبد العزيز الرشيد))).
وأخيرا دخلت مملكة المنتفق الحرب العالمية الأولى وهي مقسمه وقد فقدت الكثير من أراضيها وقبائلها في سياسة الإفراز وماتلاها ، وعندما دخل الأنجليز العراق عام 1914م ( الحرب العالمية الأولى ) ، اتخذ الأمير عجمي السعدون حاكم مملكة المنتفق ومعه معظم قبائله جانب العثمانيين (على الرغم من قتل العثمانيين لوالده الأمير سعدون (باشا) السعدون) ، وبقي يحارب الأنجليز هو ومعظم قبائل اتحاد المنتفق حتى سقوط العراق بأكلمه في يد بريطانيا العظمى نهاية عام 1918م ، ينقل المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، وصف للأمير عجمي السعدون، وذلك في كتابه البدو، الجزء الثالث، (عن فيلبي..الجزء الأول, ص 257) ، ص 631 (((كان عجمي أعظم ان لم يكن في الواقع العبقرية العسكرية الوحيدة التي أنجبها العرب خلال الحرب وكانت صفاته تستحق اعترافا أفضل ونجاحا أكبر حظا. وعلى الرغم من أنه كان عدونا لا يمكننا انكار تقديرنا للطريقة والشكل الذين استمر فيهما في خدمة قضية خاسرة ولا مستقبل لها على مدى سنوات الحرب في الصحراء، على الجانب الأخر من الفرات، كان دوما سهما في لحمنا وعاملا توجب علينا أن نحسب له حسابا))).
وفي عام 1915م أثناء القتال حاولت بريطانيا العظمى استمالة آل سعدون وذلك بعرض الحكم عليهم مقابل التخلي عن جانب الأتراك وهو العرض الذي أرسل مكتوبا من قبل السير بورسي كوكس (الحاكم الملكي لبريطانيا العظمى في العراق) للأمير عجمي السعدون (ومازال أبناؤه يحتفظون بهذه الوثيقة التاريخية) والذي رفضه الأمير عجمي السعدون كليا واستمر في قتال الأنجليز حتى سقطت مملكة المنتفق والعراق، وهذا نص الوثيقه ، المنشورة صورتها في كتاب القاموس العشائري العراقي ، ج:1 ، ص437(((شيخ العرب الأمير السعدوني
نبارك النسب السعدوني الهاشمي في الجزيرة العربية وشجاعة أبائكم وأخوانكم ونقدر مواقفكم من الاتراك نعرض عليكم كأمير عربي ونود أن نعلمكم إن الشيخ مبارك أمير الكويت وعبد العزيز أمير أرضه تخلو عن الاتراك وإننا نعرض عليكم أميراً على أرضك لا تضيع الفـرص على أهليكم يا شجاع نقدر فيك الموقف نعرض عليك لانك أحق من غيرك.
السير بورسي كوكس
الحاكم الملكي لبريطانيا العظمى
العراق 1915م))).
هاجر الأمير عجمي السعدون إلى تركيا بعد خسارة مملكة المنتفق الحرب وسقوط العراق بيد بريطانيا العظمى وقد تم منحه مقاطعة زراعية هناك من قبل الدولة العثمانية. يذكر فهد المارك، نص الرسالة التي وجهها كمال أتاتورك للأمير عجمي السعدون عند قدومه لتركيا، وذلك في كتابه من شيم العرب، ج1، ص:103، وقد أرسلت الرسالة في الفترة التي سبقت انقلاب أتاتورك على العثمانيين وقد ترجمها للعربية الدكتور أمين رويحة (((حضرة شيخ مشايخ العراق عجمي باشا. استبشرت بتشريفكم إلى ديار بكر، وكنت قد سمعت عن سجاياكم ورجولتكم وارتباطكم بمقام الخلافة المقدس، وأنا عندما كنت في الحرب المنصرمة في قيادة الجيش الثاني في ديار بكر وقيادة الجيش الرابع في حلب ممااحدث لكم في قلبي محبة كبيرة.....))) ويكمل المؤلف فهد المارك بعد عرضه نص الرسالة في كتابه من شيم العرب (((والشيخ عجمي الآن يقطن البلاد التركية حيث أدى به وفاؤه إلى ان ناضل في صف الأتراك إلى آخر لحظة، ولم يقف به وفاؤه إلى ان قاتل بجانبهم في بلاده العربية فحسب بل ذهب يناضل بجانب الجيوش التركية في قلب بلادها إلى ان هجر وطنه العراق.وهكذا ذهب البطل ضحية لوفائه حيث خسر زعامته في العراق واملاكه التي لاتحصى وبقي في تركيا لاجئا))).
تذكر المس بيل ، والتي عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس ،وتوفيت عام 1926م ، في كتابها فصول من تاريخ العراق القريب (((في ظل الأسرة الحجازية الجبارة، أسرة السعدون والتي لعبت دورآ لا يستهان به في تاريخ المنطقة الحافل، قبائل المنتفق تشكل دومآ مصدر إزعاج للسلطات البريطانية، وخصوصآ وأنهم رؤوا أمراءهم السابقين (السعدون) متمسكين بكبرياء وتقاليدهم القتالية التي جعلتهم في معزل عن أي مساهمة أخرى في حكم البلاد، مما قوى دعاويهم، ولم يسهل أمرنا في أراضي المنتفق حتى عام 1919))).
أخيرا يذكر سقوط مملكة المنتفق المشرف في الحرب العالمية الأولى ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق عن مملكة المنتفق وحكامها ومقارنته أهمية اتحاد قبائل المنتفق (أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق ، ومقارنته أيضا أهمية أسرة المشيخة فيه (آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ، ج:3 ، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))).
31- المصادر:
1. كتاب البدو ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم.
2. كتاب أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، الذي عمل كمفتشا إداريا بالعراق من قبل بريطانيا العظمى في الفترة التالية للحرب العالمية الأولى.
3. كتاب تاريخ الجزيرة العربية ، المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل.
4. كتاب تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق ، المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي.
5. كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، تقرير عثماني أعده للدولة العثمانية خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا).
6. موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
7. الخبر والعيان في تاريخ نجد ، المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج .
8. كتاب عشائر العراق ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
9. كتاب صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، المؤرخ جعفر الخياط.
10. كتاب ذكرى السعدون ، الشيخ والمؤرخ علي الشرقي عام 1929م.
11. كتاب ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر.
12. كتاب عرب الصحراء ، هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى .
13. كتاب التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي ، الذي كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام .. والمعاصر للحرب العالمية الأولى والذي سبق له تولي قضاء البصرة.
14. كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري.
15. مقالة: عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي – صاحب الختمة العتيقية ، أ.د. عماد محمد العتيقي.
16. كتاب تاريخ مدينة سوق الشيوخ , عبدالكريم محمد علي.
17. كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني , المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري.
18. كتاب القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق , المؤرخ والنسابة يونس الشيخ إبراهيم السامرائي.
19. كتاب تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى.
20. مقالة : النار في حياة العرب... رفيقة أفراحهم وملح أهازيجهم ، جريدة السياسة ، سنة 2010، أحمد بن محارب الظفيري .
21. كتاب امارة في بلاد الرافدين – الخميسية، حمد بن عبد الله بن حمد آل خميس.
22. كتاب عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في أواخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر ، العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى.
23. كتاب الكويت وجاراتها، هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى.
24. كتاب تاريخ الأحساء السياسي (1818 – 1913)، الدكتور محمد عربي نخلة.
25. كتاب أمراء وغزاة.. قصة الحدود والسيادة الإقليمية في الخليج (دراسة وثائقية) ، الدكتور عبد العزيز عبد الغني.
26. خريطة ولاية البصرة الكبرى historiae.org)).
27. كتاب امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، الدكتور حميد بن حمد السعدون.
28. كتاب القاموس العشائري العراقي ، الشيخ أحمد العامري الناصري.
29. كتاب من شيم العرب، ج1، فهد المارك.
30. كتاب فصول من تاريخ العراق القريب ، المس بيل ، التي عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس.
31. كتاب الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، د. طارق نافع الحمداني.
32. كتاب حديقة الزوراء في سيرة الوزراء ، المؤرخ العثماني الشيخ الأديب عبد الرحمن السويدي البغدادي.
33. كتاب مباحث عراقية ، ق 3، المؤرخ يعقوب سركيس.
34. كتاب كلشن خلفا ، المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي.
35. كتاب بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عبدالكريم المنيف الوهبي.
36. كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية.
37. كتاب البصرة في الفترة المظلمه ، المؤرخ حامد البازي.
38. كتاب لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، الدكتور علي الوردي.
39. كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية.
40. كتاب بحوث عن العراق وعشائره ، حمود الساعدي.
41. هامش كتاب تاريخ ابن يوسف ، الدكتورعويضة الجهني.
42. كتاب تاريخ بعض الحوادث الواقعه في نجد ، العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى.
43. كتاب مشاهدات نيبور في رحلة من البصرة الى الحلة سنة 1765م ، الرحالة نيبور.
44. كتاب تاريخ ابن يوسف ، المؤرخ النجدي ابن يوسف.
45. كتاب الزبير قبل خمسين عاما مع نبذة تاريخية عن نجد والكويت، يوسف بن حمد البسام.
46. كتاب دليل الخليج ، القسم التاريخي ، ج.ج. لوريمر.
47. بحث: جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ , محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، أ.م.د. رياض الأسدي , مجلة الجندول.
48. كتاب رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي ، والذي يتضمن أيضا عدة أبحاث أخرى عن الجزيرة العربية والعراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، د. عماد عبدالسلام رؤوف.
49. كتاب البصرة .. ولاتها ومتسلموها من تأسيسها حتى نهاية الحكم العثماني ، ابن الغملاس.
50. كتاب سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الاسعد ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري.
51. سوق الشيوخ ، المؤرخ والصحفي سليمان بن صالح الدخيل النجدي ، بحث منشور في مجلة لغة العرب عام 1912م ( قبل الحرب العالمية الأولى).
52. مقاله عن مخطوط رقم خ 991 في مكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت ، أ.د. عماد محمد العتيقي، منشوره في ذو القعدة 1430 الموافق نوفمبر 2009.
53. كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797 ، الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون في رحلته للعراق عام 1797م .
54. كتاب رحلة المنشي البغدادي الى العراق ، السيد محمد آغا الفارسي ، رحلته عام 1820م.
55. كتاب تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى.
56. كتاب العربية السعودية، هاري سانت جون فيلبي.
57. كتاب العراق قديما وحديثا، السيد عبدالرزاق الحسني.
58. كتاب تاريخ الكويت ، مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبد العزيز الرشيد.
59. كتاب دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي.
60. كتاب تاريخ ابن لعبون المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية.
61. كتاب ترحال في صحراء الجزيرة العربية ، المستشرق والرحالة الإنجليزي تشارلز م . دوتي.
62. كتاب علماء نجد خلال ثمانية قرون ، الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام.
63. هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي.
64. كتاب تاريخ الكويت السياسي ، المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل.
65. كتاب الأعلام ، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات ، المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م.
66. كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب ، مؤلف مجهول.
67. كتاب امارة الزبير بين هجرتين بين سنتي 979هـ - 1400هـ ، عبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العلي.
68. كتاب عبدالمحسن السعدون و دوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر، لطفي جعفر فرج عبدالله.
69. كتاب عشائر المنتفق ، المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر).
70. مقالة: بين الناصريتين .. ناصرية العرب وناصرية العجم ، وكالة العراق نيوز المستقلة للأنباء ، 2010، كاظم فنجان الحمامي.
71. مقالة: الناصرية في أروقة الزمن , جريدة الصباح ، عبد الحليم احمد الحصيني.
72. كتاب آل الأعرجي - أحفاد عبيدالله الأعرج ، النسابة الأستاذ حليم حسن الأعرجي.
73. كتاب عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، المؤرخ إبراهيم فصيح الحيدري.
74. ديوان أسرة السعدون وعشائر المنتفق.
|
|
|
05-09-2012, 09:35 PM
|
#17
|
|
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
|
|
|
23-02-2013, 07:31 PM
|
#18
|
|
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد الكثيري
سجل لمشاهدة الروابط
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
|
الله يعافيك أخوي خالد وشرفني مرورك على الموضوع.
|
|
|
|
|
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
المواضيع المتشابهه
|
الموضوع |
كاتب الموضوع |
المنتدى |
مشاركات |
آخر مشاركة |
من قصائد سعدون العواجي
|
واحد من الناس |
قصص من البادية |
7 |
11-02-2010 03:53 AM |
الساعة الآن 06:30 AM بتوقيت مكة المكرمة
|