عرب الصقر المحتضنة لعرب عباد 14 عاما لم ينصفها الدكتور محمد البخيت العبادي

10-07-2010, 03:07 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
وبالله نستعين،
أما بعد

فقد ورد في مقالة منشورة في جريدة " العرب اليوم" الأردنية ، في عددها 3042 ، المنشور بتاريخ 29 شعبان 1426هـ الموافق 3 تشرين أول 2005 ، مقالة بعنوان: د. البخيت يستعرض حضارة الاردن عبر سلسلة تاريخ بلاد الشام، مقالة لخص فيها مضمون الكتاب، الذي ألفه الدكتور محمد عدنان البخيت بعنوان: دراسات في تاريخ بلاد الشام "الاردن" ، ما نصه: "اما في المصادر التاريخية المعاصرة فقد ورد ذكر قلعة معان بحسب الباحث عن اخبار الامير علي فخر الدين المعني حيث ورد انه في سنة 1022هـ /1613م تحالف الامير علي مع كل من الامير حمدان بن قانصون الغزاوي امير عشائر عجلون، والشيخ عمر بن جبر شيخ عرب المفارجة، للقضاء على منافسهم الشيخ رشيد بن سلامة بن نعيم شيخ عرب السردية، فسارع عرب الكرك الى مساندة الشيخ رشيد، بعد ان علموا ان فروخ بك مرجان آغا صوباشي الكرك من المعاضدين له الا ان الامير علي بن فخر الدين، وحلفاءه انتصروا على الشيخ رشيد واعوانه."
وهنا أود أن أنوه الى مجموعة من الحقائق، والتي لا بد من تصويبها، ووضع نقاطها فوق الحروف، لأن الدكتور لم يكن منصفا، عندما تطرق الى ذكر الأمير، علي بن فخر الدين المعني، بأنه هو قائد الحلف المعادي لمعسكر العثمانيين. فلست أدري كيف ينسب سعادة الدكتور تلك الحوادث التاريخية، الى غلام لم يتعد الخامسة عشر من عمره، وهو أمانة عند مشايخ عرب الصقر؟ .... ولست أدري، كيف يجافي سعادة الدكتور هذه الحقيقة؟ ... وهو المنحدر من عشيرة عباد ، عشيرته عزيزة على قلوبنا، وهي العشيرة التي إحتضنتها عشائر عرب الصقر الطائية العريقة، أربعة عشر عاما في بلاد الصقر ، هناك في شمال فلسطين، واقتسمت معها رغيف الخبز في بلاد الخير، بعد أن ضاقت عليها الأرض بما رحبت، فطردتها عشائر البلقاء من ديارها في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولم تجد عباد سوى عرب الصقر ملاذا آمنا لها ، ثم إن عشائر عرب الصقر، دفعت دماء زكية من رجالاتها، من أجل إعادة عشائر عباد الى بلادها، فقتل من عرب الصقر عشرات الرجال والخيل ، هناك في سفوح العارضة، ووادي السير، وهناك في مرج الحمام، حيث ضرب أمير الصقر حدود عباد، وترجل من على فرسه، كي تأخ فرسه راحتها وتبول بعد أن إمتطى صهوتها في بيسان، ولم ينزل عنها الا في مرج الحمام. أقسم أمير الصقر سعد بن جعدان بن ظاهر السلامة، بأنه لن يتراجع عن دحر عشائر البلقاء، وإعادة عباد، الا بعد ما تبول فرسه العربية الطائية العريقة، فكيف تبول الفرس الأصيلة والفارس يعتلي صهوتها؟؟؟؟ ... فقال قولته المشهورة "وين ما تكعب الغزالة قهقر يا خيال" ، وبعون من الله وحمده أقول:
أولا: إن الشيخ عمر بن جبر شيخ عرب المفارجة هو في الحقيقة عمرو (بفتح العين وإسكان الميم وليس عمر بضم العين وفتح الميم) بن جبر الصقري شيخ عشائر المفارجة، والمعروفة حاليا بعشائر عرب الصقر (عرب الصقور جمعا)، وهي المقصودة بعرب المفارجة، بكافة كتب التاريخ، لأنها العمود الفقري لعشائر المفارجة الطائية العريقة، ورثت الزعامة في بلاد الشام من ألمفرج بن دغفل بن الجراح الطائي في أواخر القرن الرابع الهجري، المنسوب أصلا، الى ملك طيء في العراق، إياس بن قبيصة الطائي، قبيل البعثة المحمدية بتسع سنوات، ثم بزعامة شيخ عربان جبل نابلس حسان بن المفرج الطائي، الذي تغلب على أكثر الشام، منتزعا إياها من دولة الفاطميين (العبيديون) عام 1025م الموافق 415هـ. وفي أواخر القرن االعاشر الهجري برز الشيخ عمرو بن جبر الصقري بعد تمزق عربان طيء في قبائل متناحرة، والذي وافته المنية في جنين في ذي الحجة عام 1030هـ ، ودفن فيها عندما كان في ضيافة أحمد بن طرباي الحارثي الطائي أمير اللجون. وقد تولى مشيخة عرب الصقر بعد ذلك، إبنه الشيخ حسين بن عمرو بن جبر المفارجة الصقري، فعرب الصقر أمراء طائيون من أمراء من أمراء.
ففي مخطوطة الشيخ أحمد بن محمد الخالدي الصفدي، مؤرخ أمير الدروز اللبناني الكردي الأصل فخر الدين المعني، ورد في نسخة (م )، ونسخة (ج ب) وهي نسخة جامعة برنستن ، أن فخر الدين المعني عندما وردته الرسائل في منفاه، في روما، أبلغ أيضا، أن الشيخ عمرو بن جبر الصقري، سلم إبنه الأمير علي ذي الخمسة عشر ربيعا الى حسين اليازجي، في قلعة بانياس، تسليم اليد، في ذي الحجة عام 1022هـ ، وفيما يلي النص الحرفي لما ورد في النسخة المطبوعة في بيروت، عام 1969م، وهي مخطوطة لم تشارك عرب الصقر بكتابتها، بل أن الصقر كانت أمية لا تقرأ ولا تعرف الكتابة، وهي من منشورات الجامعة اللبنانية ، صفحة 34 " ... بدير القمر ، وسبب عودة الشيخ يزبك والحاج علي ضافر، أنه لما وصلت الترتانة والجماعة الذي بها، بالصحة والسلامة، الى أليفورنا ، لعند حضرة الأمير فخر الدين ، وأعطوه جميع المكاتيب ، وأعلموه أن حضرة ولده الأمير علي جابه الشيخ عمرو السقري لعند حسين اليازجي الى قلعة بانياس، وأنهم على خير وسلامة..." إ.هـ.
فعبارة المخطوطة واضحة وجلية، تقول " جابه الشيخ عمرو السقري"، وقد وردت الصقري بلهجة أهل لبنان وأهل القرى مقلوبة من الصاد الى السين، وفي ذلك دلالة واضحة أن القيادة كانت للصقر، وليست لغلام لم يبلغ الحلم ، فهم يقولون بألسنتهم "جابه الشيخ عمرو الصقري " تدل دلالة قاطعة على أن الشيخ عمرو، كان صاحب القرار، لأن كلمة "جابه"، تعني أنه منقاد الى ولي أمر، يتحكم به ويسيره حيث يشاء ، فاقتاده الشيخ عمرو الصقري ، وسلمه الى وكيل أعمال فخر الدين المعني حسين اليازجي، هناك في بانياس في الجولان، وأن الأمير الصغير، كان أمانة في عنقه، حيث كان الشيخ حسين بن الشيخ عمرو بن جبر الصقري رفض طلب الأمير فياض الحياري الطائي والمنسوب الى عرب المفرج بن حسان الطائي أصلا ، في السلمية في تخوم بادية حمص، الذي وعد بإعادة الصقر الى مشيختهم في حوران ، شريطة أن تسلمه عرب الصقر الأمير علي بن فخر الدين، فرفضت الصقر قائلة، على لسان الشيخ حسين بن عمرو بن جبر الصقري (المفارجة) :" أن لوالده فخر الدين المعني فضل جزيل على عرب الصقر، ولن نقابل الجميل إلا بالجميل".
ثانيا: ذكر سعادة الدكتور " ان الامير علي بن فخر الدين، وحلفاءه، انتصروا على الشيخ رشيد واعوانه" ، والحقيقة أن الذي كان يقود تلك المعارك، منذ إنطلاقها من المزيريب ، مرورا بإربد، وصخرة، وعين أم الجلود في جبل عجلون، وقصر شبيب في الزرقاء، وزيزياء، وإثمد، واللجون، والضرع، والحسا،صعودا الى بئر السبع في النقب، ثم عودة الى الثنية، والشوبك، ووادي موسى، وقلعة معان، والجفر، وبير باير، وواحة الغدف، وقلعة كاف، وإثرة... وصولا الى تدمر ثم عودة الى الجولان . الذي كان يقود تلك المعارك هم فرسان عشائر عرب الصقر، بقيادة الشيخ عمرو بن جبر الصقري، ولم يكن الأمير علي ذي الخمسة عشر ربيعا يمتكل تلك الفروسية ، ولا تلك الدراية بمسالك الطرق الصحراوية ، تؤهله لمجابهة تلك التهديدات العاتية لولا رعاية الصقر له، وأن من بقي بصحبته من اللبنانيين هم من أرباب علوفة الخيل، بل أن غالب جنده فروا من البلقاء عائدين الى لبنان، ويؤكد الصفدي أن الذين بقيوا معه خمسون رجلا بعد فرار105في البادية السورية فذبحهم إبن الحرفوش في رأس بعلبك ذبح الخراف، والأمير كان أمانة عند الصقر، إنقطع والده المتحالف مع الصقر من الإنضمام اليه، لأسباب مدونة بكتاب مؤرخه الصفدي. ففي معارك خربة الثنية جوار الكرك مثلا، قتلت فرس الشيخ عمرو الصقري تحته، مما يدل على أنه كان يقود المعارك بنفسه، وفي زيزياء الواقعة جوار مطار عمان الدولي الحالي، فاجأتهم عرب السردية بهجوم كاسح، بقيادة الشيخ رشيد السردي، فدار قتال شرس بينهم، فانهزم السردية بعد مقتل ابن شقيق الشيخ رشيد السردي، واستيلاء الحلف الذي كان بقيادة المفارجة عرب الصقر على مائتي ذلول، ومقتل عشرة من خيول عرب السردية المفارجة أبناء عم الصقر، ناهيك عن معارك خاضوها مع جند الدولة من فرسان وهجانة، في عمق البادية شرق دمشق الشام ، قتل فيها ثلاث أفراس تحت الشيخ عمرو بن جبر الصقري، هذه الوقائع، تحدث عنها شهود عيان، دونها الصفدي في حينها.
ثالثا: ومما يؤيد أيضا أن إبن فخر الدين المعني كان بحوزة عرب الصقر، أن حمدان بن قانصو، إنفصل عن المفارجة عرب الصقر بعد معركة الثنية جوار الكرك، منتقلا الى غزة، حالا على عرب العايد، حيث إكتسب بعد ذلك إسم الغزاوي، ولم يستمر مع الصقر الذين إحتفظوا معهم بأمير الدروز الصغير، الى قلعة معان، وصولا الى تدمر، وعودة الى بانياس، في أعالي الجولان. فلو كان الأمير الدرزي، أمانة في عنق إبن قانصوه ، لما تركه مع عرب الصقر، فهو تركه عند الصقر لأن الأمر لا يعنيه، ولو كان الأمير الدرزي الصغير، هو الذي يقود الحلف، وصاحب القرار، لما سمح لأبن قانصو أن يتركه في براري البوادي. بل أن من إحتفظ بهذا الطفل، هو صاحب القرار، وهم عرب الصقر بقيادة الشيخ عمرو المفارجة الصقري، والصقر لم يضيرها من بقي معها أو تركها، فكانت ذات دراية، وذات شوكة ، واعتمدت على رجالاتها.
أسأل الله أن يصلح بالنا، ويجنبنا قول الزور والبهتان، وما نسوقه ليس للتباهي، أو الإستعلاء، ولا الشماتة، ولم نكن شهود عيان على أي أحداث، لكننا نعلق على ما كتب ، ونحاول أن نستنبط منها الحقائق، ونصوب هفوات وقع بها غيرنا عن غير قصد ، أو عدم دراية ، أو عدم إعطاء الأمر وقته الكافي من البحث والتصحيف.
والخلاصة أن الأيام دول، يوم لك ويوم عليك، وصدق الله العظيم إذ يقول "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، وأتمنى أن يعيد سعادة الدكتور النظر بما كتب ، فمقامه، وعلمه، يرفعانه عن مثل هذه الهفوات.

وكتبه
علي بن فلاح الملاحي الصقري
مؤرخ عشائر عرب الصقر الطائية