مدد بني لام لصاحب المدينة
اتحاف الورى بأخبار أم القرى ج3 ص3
(سنة 601 هـ)
فيها زحف أبو عزيز قتادة من مكة، وحاصر صاحب المدينة سالم بن قاسم الحسيني وألح في حصاره، ثم أن سالماً قصد الحجرة الشريفة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ـ فصلى عندها ودعا، وسار فلقيه، فانهزم قتادة، وجاء المدد لسالم من بني لأم، فأتبعه سالم وأنشب الحرب بينهما ببدر ـ وقيل بذي الحليفة ـ وهلك كثير من الفريقين، وانهزم أبو عزيز، وأسر سالمٌ سليمان بن عبد المحسن التميمي الدارمي وزير قتادة ـ وكان سليمان أسود اللون، ضخم الجثة، قبيح الصورة ـ فلما حضر سليمان بين يدي سالم قال سالم لسليمان: من كان مدبر رأيه من هذه صورته فيجب على خصمه ألا يمسكه عنه متى حصل بيده، فاذهب إلى صاحبك. فقال سليمان لسالم: ضاع الشكر أيها الأمير بحسن البادِرَةِ. فقال وتَوْرِيَتُك أحسن منها. ثم أحسن سالم لسليمان وخلى سبيله.
فلما عاد سليمان إلى الشريف أبي عزيز سأله: ما كان من فِعْلِ سالم معكم؟ فقال له سليمان: يا أمير، الفاطميون يحسنون إلى الناس، ويسيء بعضهم إلى بعض!! فطرب أبو عزيز لذلك لما سمعه، وجعل يعيد ما قاله سليمان، وظهر له أنه وُفِّق فيه للصواب. واتبع سالم أبا عزيز إلى مكة فحاصره مثل أيام حصاره بالمدينة، فأرسل قتادة إلى من مع سالم من الأمراء فأفسدهم عليه؛ فمالوا إليه وحالفوه. فلما علم سالم ذلك رحل عنه عائداً إلى المدينة، وعاد أمر قتادة يقوى.
وقيل إن أبا عزيز هجم من مكة على المدينة فخرج له صاحب المدينة سالم بن قاسم الحسيني، فكسره أبو عزيز وحصره أياماً، وكان سالم في أثناء ذلك يحسن سياسة الحرب ويستميل أصحاب أبي عزيز إلى أن خرج عليه وهو مغتر متهاون؛ فكسره سالم وأسر جمعاً من أصحابه، وتبعه إلى مكة، فحصره فيها على عدد أيام حصاره بالمدينة، وكتب إليه: يا ابن العم كسرة بكسرة، وأيام حصار بمثلها، والبادىء أظلم؛ فإن كان أعجبكم عامكم فعودوا ليثرب في القابل.
مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة
|