عبدالله المغيره ..المؤرخ والمثقف النجدي أيد الدوله العثمانيه ثم انقلب عليها
عبد الله المغيرة .. المؤرخ والمثقف النجدي أيّد الدولة العثمانية ثم انقلب عليها
تمتع بحذق سياسي ونال حظوة عند الصدر الأعظم وقابل الملك عبد العزيز
سجل لمشاهدة الروابط
عبد الحميد الثاني آخر خلافاء السلالة العثمانية توفي في باريس ودفن في المدينة المنورة
سجل لمشاهدة الروابط
منظر من اسطنبول حيث عاش عبد الله المغيرة («الشرق الأوسط»)
سجل لمشاهدة الروابط
قلعة روملي في اسطنبول («الشرق الأوسط»)
الرياض: بدر الخريف
يُعد عبد الله المغيرة أحد الشخصيات النجدية التي كان لها حضور في الوثائق العثمانية، وتداول اسمه كثير من الباحثين كمؤرخ ومثقف ومهاجر إلى البصرة واسطنبول ومصر وتقديمه خدمات إلى الدولة العثمانية قبل عشرات العقود، واعتبره الباحثون بأنه كان مطلعا على السياسة الدولية وعلاقات الدول بعضها مع بعض، والنزاعات السياسية في مختلف مناطق الجزيرة العربية والخليج العربي، كما يملك خبرة بأوضاع منطقة نجد والجزيرة العربية والخليج وسياسات الإنجليز في المنطقة، مما يعني أنه يتمتع بحذق سياسي واطلاع واسع على الأوضاع في المنطقة إبان حكم الدولة العثمانية، ونال حظوة عند الصدر الأعظم، وحصل على مرتبة وظيفية مهمة في اسطنبول، كما صدر مرسوم سلطاني عثماني لمنح المغيرة امتياز صحيفة أسبوعية عربية تحمل اسم «المنبه»، لكن الصحيفة أوقفت أثناء إرسال العدد الأول منها إلى المطبعة.
ورغم الخدمات التي قدمها المغيرة للدولة العثمانية من خلال الأعمال التي تقلدها والمكاتبات التي تتم بينه وبين الصدر الأعظم من دون وسيط، وهو أمر مخالف للتراتبية والتسلسل الإداري المتبع في الدوائر الرسمية في الدولة العثمانية، إلا أن المغيرة غيّر موقفه تجاه الدولة العثمانية، مع ملاحظة أن إحدى الوثائق العثمانية أشارت إلى أن المغيرة كان له توجه بخصوص القيام بتمرد في وجه الدولة العثمانية، ووجد تحذيرا من أحمد مختار باشا المفتش فوق العادة للدولة العثمانية في مصر والطلب من السلطات رصد حركاته وسكناته لأنه مرسل من لدُن الإنجليز.
ورغم الغموض الذي أحيط بحياة عبد الله المغيرة، إلا أن رحيله قبل 72 عاما، وإيراد صحيفة «أم القرى» بخبر وفاته وإشارتها إلى رحلاته المتعددة ومؤلفاته القيّمة، إضافة إلى ذكر مجلة «المنهل» لرحلاته ونشاطه العلمي والإداري واجتماعه بالملك المؤسس ثم عودته إلى مصر التي بقي فيها إلى أن توفي، رغم كل ذلك فإن عبد الله المغيرة سيبقى شخصية مثيرة تستحق الدراسة والبحث، وهو ما دفع الدكتور سهيل صابان الباحث التركي المتخصص في التوثيق العثماني لتاريخ الجزيرة العربية، وعضو هيئة التدريس بقسم التاريخ في كلية الآداب في جامعة الملك سعود، إلى أن يسبر أغوار الرجل ويبحث عن شخصيته واعماله والخدمات التي قدمها للدولة العثمانية وسر انقلابه عليها وذلك من خلال وثائق الأرشيف العثماني التي تناول بعضها أوضاعاً ثقافية ودينية وورد فيها إشارات مهمة لعبد الله المغيرة، بعد إخراج هذه الوثائق من رفوف نسيان الأرشيف وقدمها ضمن فصول كتابه (من تاريخ الجزيرة العربية الحديث - بحوث ودراسات من الأرشيف العثماني)، الذي صدر هذا العام من مكتبة الملك فهد الوطنية.
بدأ الباحث حديثه عن عبد الله المغيرة في وثائق الأرشيف العثماني بالإشارة إلى أنه قد لفت نظره وثيقة عثمانية ضمن تلك المجموعة من الوثائق العثمانية المحفوظة بدارة الملك عبد العزيز بالرياض، حيث أشارت إلى أن شخصاً نجدياً يُدعى عبد الله المغيري، توجه مع طالب أزهري إلى جيبوتي ليجتمعا بأمير دارين محمد بن عبد الوهاب الفيحاني (توفي عام 1906، من أهالي قرية الفاربة التابعة لقطر وهاجر إلى البحرين ثم دارين في جزيرة تاروت وقام بتشييد العمران في الجزيرة). ولينطلقا من هناك إلى الأحساء والقطيف، ومن ثم إلى الكويت، لتوزيع كتاب «طبائع الاستبداد»، للكواكبي، الذي كان بحوزة عبد الله المغيرة مائة نسخة منه، لتوزيعها على الأهالي في نجد، بغية القيام بتمرد في وجه الدولة العثمانية. وفي هذه الوثيقة نصّ الخطاب الذي بعث به الممثل فوق العادة للدولة العثمانية في مصر إلى الباب العالي في 25 ذي الحجة 1320هـ/ 1902، وقد ذكرت وثيقة أخرى أنه توجه إلى البصرة ونجد للقيام بأعمال خاصة، حيث أفيد أنه مرسل من لدن الإنجليز مما يتطلب ترصد حركاته وسكناته مشيراً الباحث الى انه وفي أثناء البحث عن هذه الشخصية، سألني بعض الباحثين إن كان في الأرشيف العثماني معلومات عن عبد الله المغيرة، فكثفت بحثي عنه، ثم انكشف لي أثناء عملي في تصنيف الوثائق العثمانية الجديدة التي تصل تباعا إلى الدارة من الأرشيف العثماني باسطنبول، أن هناك وثائق أخرى عن المترجم له في الأرشيف، تختلف تمام الاختلاف عن المعلومات الأولى التي سبق أن جمعتها، وهذه المعلومات تشكل تصحيحاً لبعض المعلومات المنشورة عن المذكور في ما بعد. ومن مجموع تلك الوثائق تشكل هذا البحث، الذي يتناول سيرته واللوائح التي قدمها إلى الحكومة العثمانية وثقافته. ومما يجدر ذكره هنا، أن المعلومات الواردة عنه في وثائق الأرشيف العثماني، وقدمها المغيرة إلى الباب العالي، تختلف عما يتداوله بعض الباحثين.
وعن سيرة المغيرة، ذكر الباحث الدكتور صابان أن الوثائق العثمانية أشارت إلى الخطابات التي قدمها عبد الله المغيرة إلى الباب العالي باللغة العثمانية بمختلف التواريخ، وأوردت عنه بعض المعلومات، حيث نسبته إلى أشراف نجد، وذكرت أن أسرة آل مغيرة التي ينتسب إليها هي التي تدير شؤون بلاد الأفلاج، وأن هذه الأسرة تقيم أحياناً في بلدة ليلى، وأحياناً أخرى في بلدة البديع، وذلك على لسان المترجم له.
* رتبة ومرسوم سلطاني لإصدار صحيفة
* وبناء على ما أوردته الوثيقة العثمانية عما ذكرته من معلومات عن عبد الله المغيرة، الذي قدم خطابا إلى الباب العالي، ذكر فيه أنه هاجر إلى البصرة في عام 1295هـ/ 1878، ضمن من هاجر مع الأمير عبد الله بن عبد الله بن ثنيان آل سعود، وأنه مكث فترة في العراق لإخراج بعض الأراضي المكتومة التابعة للدولة إلى حيز الوجود. وهذا القيد يفيد أنه اشتغل مدة سنتين تقريبا في هذا الأمر، حتى استطاع إخراج تلك الأراضي من طي الكتمان وتسجيلها في الأملاك السلطانية، ثم توجه في عام 1297هـ/ 1880، إلى مكة المكرمة بعد أن حصّل موافقة والي بغداد، ومنها إلى اسطنبول عن طريق مصر، وذكر أنه مكث في اسطنبول في ضيافة السلطان في المابين الهمايوني مدة ثلاث سنوات.
ولما عُين عبد الله بن عبد الله بن ثنيان عضوا في مجلس الشورى بالدولة العثمانية، برتبة أمير أمراء الروملي الرفيعة، مُنح عبد الله المغيرة أيضا الرتبة الرابعة التي رفعت في ما بعد إلى الثالثة، وهذا يدل أنه كان بمعية ابن ثنيان طوال فترة بقائه في اسطنبول.
وخلال إقامته في اسطنبول طلب عبد الله المغيرة منحه امتياز اصدار صحيفة أسبوعية عربية فيها، سماها «المنبه» . وقد صدر المرسوم السلطاني بذلك، فقام بصرف المبالغ الأولية اللازمة عليها، وأعد العدد الأول منها، وأرسله إلى المطبعة. إلا أنه أشار في خطاب التظلم الذي رفعه إلى السلطان العثماني أن إدارة المطبوعات قامت بإيقاف الصحيفة، ولما لم يجد سبباً موجباً لذلك الإغلاق، تبين له في ما بعد أن بعض أصحاب الأغراض قاموا بعرض الموضوع على السلطان بخلاف الحقيقة، وذلك خوفا من إلحاق الضرر بمصالحهم إذا صدرت الصحيفة، كما ذكرها، مشيرا إلى أنه خاف من رفع الأمر إلى السلطان حتى لا يلحق به أصحاب الأغراض أذى.
ويبدو ـ كما يتضح من الخطاب الذي أرسله في ما بعد إلى الباب العالي ـ أنه رجع إلى البصرة عام 1882م، وذكر أنه أثناء مكوثه في البصرة عرض «على السلطان الجداول الخاصة بالأراضي المكتومة في المنتفق، وذلك في شهر ذي الحجة من عام سبتمبر 1886م، وتم تسجيلها في الخزينة الخاصة السلطانية، وتحقق بذلك العديد من الفوائد»، وهذه هي المرة الثانية التي يشتغل فيها بالأراضي المكتومة.
وفي الاستدعاء الذي رفعه عبد الله المغيرة إلى الصدر الأعظم المتضمن طلبه تحويل رتبة التدريس الممنوحة له إلى الرتبة الثالثة الإدارية، والذي حوله الصدر الأعظم بدوره إلى شيخ الإسلام بتاريخ مايو 1888م، فقد صدر المرسوم السلطاني بالموافقة على ذلك في أكتوبر 1888م.
وعلى الرغم مما قدمه من الخدمات إلى الدولة العثمانية، وطلبه الحصول على وظيفة رسمية بعد رجوعه إلى البصرة، وصدور الموافقة بتوظيفه في البصرة، إلا أن نظارة الأوقاف لم تجد له وظيفة شاغرة مناسبة، يشتغل فيها، كما اتضح ذلك من كلامه الذي أورده في نهاية خطابه إلى الباب العالي، والذي أشار فيه أيضا إلى أن وضعه المعيشي مزر، وأنه بحاجة إلى تخصيص راتب يعيش به.
فهذه هي المرحلة الأولى من حياة عبد الله المغيرة في تعامله مع الدولة العثمانية، أما المرحلة الثانية، فلا تتحدث عنها الوثائق التي اطلع الباحث عليها، سوى ما دوّنه (أي الباحث) في ديباجة هذا المقال من أنه: نجدي، مقيم في مصر، توجه مع طالب أزهري إلى نجد، لتوزيع كتاب الكواكبي «طبائع الاستبداد» على الأهالي لتأليب الرأي العام على الدولة العثمانية في المنطقة، مما ينبغي ترصد حركاته، أما ما عدا ذلك من المعلومات، لا سيما الأمر الذي أدى به إلى تغيير موقفه من الدولة العثمانية، بعد أن بقي مدة ثلاث عشرة سنة ـ على أقل تقدير ـ مؤيدا لها، فلم يقف الباحث من خلال الوثائق العثمانية على أي شيء حتى الآن، ولعل مزيدا من المعلومات عن سيرته يتضح في وثائق أخرى.
وأشار الدكتور صابان إلى أن صحيفة «أم القرى» الصادرة في 18 شوال 1355هـ/ 1936، ذكرت تحت عنوان «وفاة مؤرخ نجدي»، أنه توفي في مدينة الطائف عن عمر يناهز المائة، قضى شطرا منه في الأستانة ملازما بعض أصدقائه المنفيين هناك، وقام برحلات متعددة في الشرق والغرب. وله مؤلفات خطية قيمة، تبحث في التاريخ العام والخاص، وهو ينتمي إلى حوطة بني تميم، ولم يخلف أبناء. بينما ذكرت مجلة «المنهل» نقلا عن الشيخ محمد نصيف: أن الشيخ عبد الله بن عبد المحسن المغيرة، هذا أعرفه، وكان قد قدم إلى هذه البلاد ليقابل جلالة الملك المغفور له عبد العزيز في جدة بعد ضم الحجاز، وأعرف أن له رحلات ونشاطا علميا وإداريا، وبعد اجتماعه بالملك الراحل عاد إلى مصر، وبقي فيها إلى أن توفي رحمه الله في حين ذكر الدكتور عبد الله المنيف ان المغيرة من اهل اشيقر وذلك في تقديمه وتحقيقه وتعليقه على كتاب «سوابق عنوان المجد في تاريخ نجد» لمؤلفه عثمان بن عبد الله بن بشر أن المغيرة شخصية فذة موضحاً ان الحكم على ثقافة عبد الله المغيرة، سيكون بناء على اللوائح والتقارير والخطابات التي أرسلها إلى الحكومة العثمانية في اسطنبول، والحقيقة أن إلقاء نظرة عامة على تلك الخطابات، يؤكد أنه شخصية فذة، فهو من جهة يتقن لغة التخاطب مع الباب العالي على أعلى درجة من الاتقان، إذا كانت المعروضات التي قدمها من إنشائه، وهذا الذي يرجحه الباحث. ولا يمكن التفريق بين خطابات عبد الله المغيرة النجدي، وبين خطابات الأتراك المتمكنين من قواعد لغتهم وأدبها المخلوط بالأدب الفارسي والعربي، لا سيما ديباجة الخطابات وخواتيمها.
ومن جهة أخرى، يظهر بوضوح أنه كان مطّلعا على السياسة الدولية، وعلاقات الدول بعضها مع بعض، والنزاعات السياسية في مختلف مناطق الجزيرة العربية والخليج العربي، وكيفية إصلاح أوضاع المنطقة من خلال الجامعة العثمانية، فهو خبير بأوضاع منطقة نجد والقصيم ومسقط والخليج وسياسات الإنجليز في المنطقة، وغيرها من الأمور التي تتطلب حذقا سياسيا واطلاعا واسعا على الأوضاع في الجزيرة العربية. ومن الجدير بالذكر هنا، أن الدولة العثمانية كانت توكل للإداريين والعسكريين التابعين لها إعداد تقارير إخبارية ولوائح إصلاحية عن المنطقة في حال نشوب مقاومة للحكم العثماني، أو نزاع بين طرفين متخاصمين، أما حالة عبد الله المغيرة فهي معاكسة لذلك تماما، وتعد حالة نادرة تقريبا، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المترجم له يخاطب الصدر الأعظم من دون وسيط، ومعلوم أن التسلسل الإداري متبع بدقة في الدوائر الحكومية بالدولة العثمانية، فمتصرف إحدى المناطق لا يستطيع تجاوز الوالي لمخاطبة وزير الداخلية، والوالي لا يستطيع تجاوز وزير الداخلية لمخاطبة الصدر الأعظم.
ومن جهة ثالثة، كانت الاقتراحات التي قدمها المغيرة في اللوائح التي كان يبعث بها إلى الباب العالي واقعية، مبنية على اطلاع واسع على أوضاع المنطقة السياسية، مع إلمام جيد بالظروف التي كانت بها على الدولة العثمانية في ذلك الوقت. ومما يرجحه الباحث أن ابتعاث أحمد فيضي باشا إلى القصيم للقيام بإجراء إصلاحات إدارية في المنطقة قبيل تمكن الملك عبد العزيز من ضم القصيم، كان مبنيا على الاقتراح الذي سبق أن قدمه عبد الله المغيرة في العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري، والذي أشار فيه إلى ضرورة قيام الدولة بإجراء إصلاحات في إحدى مناطق الجزيرة العربية، لتكون نموذجية، يتم تطبيقها على غيرها من المناطق، وفضّل أن تكون تلك المنطقة القصيم.
ومهما يكن من أمر، فإن اللوائح التي قدمها المغيرة إلى الباب العالي تعد نماذج قيمة من وثائق الأرشيف العثماني التي تكشف النقاب عن بعض الملابسات التاريخية للمنطقة. وتثير أسئلة لدى الباحثين في موقفه المؤيد للدولة العثمانية في المرحلة الأولى، والذي انقلب في المرحلة الثانية نتيجة الشكوك التي حامت حوله من الدولة، التي تابعت تحركاته في الجزيرة العربية ورصدت تنقلاته، بعد الإخبارية التي وصلتها من المفتشية العثمانية العامة في مصر.
* اقتراحات مهمة للباب العالي
* قدم عبد الله المغيرة أثناء إقامته في البصرة عددا من الاقتراحات على الباب العالي، بغية زيادة موارد الدولة في المنطقة، استجابة منه لما صدر من الأمر السلطاني في 12 أبريل 1888م، بالعمل على زيادة الواردات التي تعود إلى خزينة الدولة. وأشار إلى أن اللائحة التي قدمها من سبعة بنود بشأن ضريبة العشائر ورسوم البصرة وغيرها من المواد النافعة، فقد حصلّت نظارة المالية واردات جمة من المنطقة، بسبب تنفيذ تلك اللائحة، وذكر في خطابه أن الباب العالي إذا وافق على قيامه بتقديم اقتراحات سياسية واقتصادية عن المنطقة، فلديه العديد من المعلومات في غاية الأهمية.
ويبدو أن الباب العالي طلب منه تقديم تلك اللوائح، فقدم عددا منها في مختلف التواريخ، وكان معظمها يتعلق بكيفية توسيع نفوذ الدولة العثمانية في الجزيرة العربية والخليج العربي، فقد ذكر في إحداها أن منطقة القصيم أنسب المناطق لتأسيس إدارة عثمانية نموذجية فيها، يتم تطبيقها في ما بعد على المناطق الأخرى. وأشار إلى أن ذلك الأمر لا يحتاج إلى سوق العساكر، ولا إلى تحمل المصاريف، إنما يكمن في القيام بالدعاية اللازمة للدولة في المنطقة.
وذكر في تقرير إخباري أرسله إلى الباب العالي في 20 سبتمبر 1890م، أن الإنجليز يسعون إلى تأسيس نفوذ كبير لهم في الخليج، حيث ذكر أنه «بناء على ما فُهم من خطاب، ورد في اغسطس 1890م، فإن حاكم مسقط وفي أثناء قبوله للحماية الإنجليزية (طلب من الإنجليز)، إرسال ضباط لتعليم جيشه، وتزويده بعدد كبير من الأسلحة، مما يمكنه من خلال ذلك زيادة قوته، والتمكن أولا من عمان، وثانيا من منطقة حضرموت، وأنه يُبقي حاكم البحرين في حكمه، مع ضمها وتسخيرها. ويسعى (أي حاكم مسقط)، من جهة أخرى إلى توسيع نفوذه في منطقة نجد أيضا من الجزيرة العربية، والاستيلاء عليها، وفي هذه الحال سيكون خادما لتحقيق الأهداف الإنجليزية، حيث تقرر كل ذلك بين الطرفين» (أي حاكم مسقط والإنجليز).
أما اللائحة الثالثة والأخيرة فهي من مجموع اللوائح التي أرسلها عبد الله المغيرة إلى الباب العالي، فقد تضمنت معلومات مهمة عن مناطق نجد كافة، من حيث مناطق السكنى وعدد السكان وأعمال الأهالي وإدارة البلاد، وبناء على أهمية هذه اللائحة فسوف يتم اقتباس أهم الفقرات منها:
ذكر عبد الله المغيرة أن «القبائل التي تعيش بشكل متنقل في ولايتي الحجاز واليمن ومتصرفية الأحساء الواقعة في ولاية البصرة وعلى حدود بغداد وسوريا، في حال من البداوة والجهل»، مشيرا إلى أن «الأجانب يبذلون جهودا مضنية في الاستفادة من تلك الأوضاع المزرية في المنطقة، لا سيما الأعمال والحركات التي يقوم بها رجال السياسة الإنجليز والسفن الإنجليزية التي تتجول في كافة مناطق الجزيرة العربية، مع ما رافق ذلك من الأفكار الواضحة للأوروبيين إزاء أفريقيا، وما قامت به العساكر الإنجليز والإيطاليون من الاستيلاء على السواحل الصومالية، مما أدى إلى أن يشكلوا تهديدا حقيقيا للسواحل الحجازية واليمنية، وجاهزين لاقتحامها في أيما فرصة سانحة. مما يتطلب اتخاذ تدابير حكيمة ومسلك جليل من مقام الخلافة الأقدس في كيفية ترحيلهم عن المنطقة، ضد تنفيذ تلك المقاصد الأوروبية».
يتبع...
|