الكوت عبر التاريخ ( بني لام )
من بلادي الكوت عبر التاريخ
“الكوت” كلمة هندية يراد بها القلعة، ومفهومها في العراق ما يبنى لجماعة من الفلاحين على حافة نهر او ساحل بحر ليكون مأوى لهم ومسكنا، وهو إما من القصب والبواري، واما من الطين واللبن، وقد يبنى وحده، او يبنى حوله بعض الاكواخ، واقرب ما يكون لتعريفه الميناء او المجمع، او مخزن الذخائر الحربية. وبلدة “الكوت” الحالية لا يعرف على وجه التحقيق زمن تأسيسها، فيتناقل اهلها رواية خلاصتها “ان سبع بن خميّس، احد شيوخ ميّاح، “بطن من ربيعة” شيد قلعة من الآجر له في هذا الموضع سنة 1227 هـ (1812م) فكانت قلعة نواة نهضتها العمرانية ونسبت اليه اياما دعيت خلالها “كوت سبع” وهو اسم لا يزال يطلقه عليها بعض المتقدمين في السن، ولا سيما من الاعراب. ويذكر امين الحلواني في ص 29 من كتابه “مختصر مطالع السعود” المطبوع على الحجر في الهند سنة 1304 هـ (1886م) ان “الكوت” كانت موجودة في زمن ولاية سليمان باشا الممتدة من سنة 1193 هـ (1779م) الى سنة 1217 هـ (1802م) وينقل مستر لونكريك فقرة عن تقرير الوكيل ابريطاني في العراق المرفوع الى حكومة الهند في سنة 1215 هـ (1800م) عن عزل شيخ بني لام وتعيين آخر بدله، هذه العبارة: “هاجم الشيخ المعزول الشيخ الحديث الذي عينه الباشا وزجّت البلاد في احضان اضطراب شامل من الكوت الى جصّان فما حول الجزيرة”. وجاء في رحلة ايليس ايرون الذي انحدر الى البصرة في عام 1196 هـ (نيسان 1781م) ما تعريبه: “وفي الساعة الثالثة مرونا بمدينة كوت العمارة حيث يقيم شيخ بني لام”. وهناك رحلات اخرى لعدد من السياح الاجانب يذكروت فيها انهم مروا في اثناء ركوبهم دجلة بقرية تسمى “الكوت” مما يدلة على انها قديمة، وربما كانت في غير موضعها الحالي. فلما كانت سنة 1286 هـ (1869م) نالت شركة استيفن لنج البريطانية امتيازا بتسيير السفن التجارية بين البصرة وبغداد متخذة “الكوت” في عداد الموانئ الرئيسية التي ترسو عندها بواخرها، فتهافت عليها، رويدا رويدا، باعة العقاقير والاقمشة، والصناع والصاغة، وتجار الحبوب وغيرهم من مختلف انحاء القطر وشذاذ القبائل، فتكاثر عدد سكانها، وازدادت اهميتها حتى صار لها شأن يذكر. فلما كانت سنة 1332 هـ (1914م) رأت السلطات البريطانية العسكرية ان تحول دون تمكن العثمانيين من تعكير صفو الامن في الخليج العربي وبثّ الدعايات المضرة في الهند، فأرسلت “جنرال فريزو” على رأس قوة من الجيش الهندي بحجة انابيب تكرير البترول في عبادان، فاهتبلت هذه القوة فرصة القلاقل التي كان يموج بها الفرات الاوسط واحتلت مدينة البصرة في 22 تشرين الثاني عام 1914م ثم صارت تتقدم الى الشمال بخطى واسعة فكانت تحتل المدن والقصبات بعد قتال شديد تارة وتراشقات طفيفة تارة اخرى، حتى اذا وصلت الى قرية “سلمان باك” على مسافة 32 كيلومترا من بغداد جنوبا، تصدّت لها الجنود الهندية فصدمتها صدمة قوية اضطرتها الى ان تتراجع القهقرى حتى بلغن بلدة “الكوت” الممتازة بموقعها الحرب والجغرافي في 3 كانون الاول سنة 1915 م وبقيت محاصرة مع “جنرال طاوزند” مدة طويلة لاقت خلالها انواع الشدة والضنك، حتى اضطرها الحصار الى التسليم يوم 1 مايس 1916م بلا قيد ولا شرط، وكان عدد الجند الذي وقع في الاسر زهاء (13,000) عدا الضباط والقادة، فذاع اسم “الكوت” منذ ذلك الحين في الشرق وفي الغرب، وصار الناس يتحدثون عنها الشيء الكثير، ولاتزال فيها مقبرة للجنود البريطانية الهندية التي جزرت في هذا الحصار الاليم وسط حديقة واسعة مسوّرة. وتقوم “الكوت” اليوم على الضفة اليسرى من دجلة في موضع يبعد عن الجنوب الشرقي لمدينة بغداد (145) كيلومترا بالنهر و(180) كيلومترا بالسيارة، وترتفع ضفتا النهر حولها ارتفاعا تجعل الاسقاء متعذرا وتحيط بها مياه النهر من ثلاثة اطرافها فتجعلها طشبه جزيرة” يتصل طرفها الشمالي بالطريق العام الممتد الى العاصمة “بغداد” ويقابلها على الضفة اليمنى صدر الغراف مع قرية حديثة كبيرة يقال لها “صوب المكينة” ويقدر عدد نفوس البلدة بـ (12,960) نسمة.
المؤتمر
|