الجمعة 10 رجب 1427هـ - 4 أغسطس 2006م - العدد 13920
عودة الى تاريخ وحضارة
موضي بنت وهطان الكثيري والدور السياسي للمرأة السعودية
نورة محمد الناصر
يثار بين الحين والآخر دور المرأة السعودية، وغيابها عن الحياة العامة، ويكتب من يكتب في هذا الموضوع منطلقاً من عموميات، أو بالأصح انطباعات، لا يستطيع دعمها من خلال معطيات الواقع، الذي عند النظر إليه بنظرة حيادية، يثبت عكس هذا الحديث أو الانطباع، ويؤكد أن المرأة السعودية لعبت، وما زالت تلعب أدواراً في الكثير من مختلف مجالات الحياة العامة، السياسية، والاقتصادية، والتعليمية، والاجتماعية وغيرها، وأن هذا الأمر لا يقتصر على التاريخ الحديث للدولة السعودية، بل إنه يعود إلى بداية نشأة الدولة السعودية الأولى، على يد الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - وقد كان هذا ما أشار إليه الأستاذ عبدالله بن علي بن محمد العسكر، في صفحة «تاريخ وحضارة» ومن هذه الجريدة في عددها رقم 13892 الصادر يوم 11/6/1427ه، حيث تطرق للدور الذي لعبته موضي بنت وهطان الكثيري، زوجة الإمام محمد بن سعود، في الاتفاق الذي حصل بين الإمام محمد بن سعود وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله -.
ولأن ما كتبه الأستاذ عبدالله جاء عاماً ومجملاً، رغم أهميته في توثيق دور المرأة السعودية، إلا أن الإضافة إلى ما ذكره الأستاذ عبدالله قد تكون مهمة، لايضاح دور تلك المرأة، والذي فيه ايضاح لدور المرأة السعودية إجمالاً، في بناء وطنها منذ قيام الدعوة المباركة في هذه البلاد. وفي هذا الصدد فإن الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي، أستاذة التاريخ المعروفة، تذكر في مقالة لها في جريدة الجزيرة العدد 8418، الصادر يوم الاثنين 22/5/1416ه، وهو ما أشارت إليه أيضاً في كتابها التوثيقي عن المرأة السعودية الذي أصدرته دارة الملك عبدالعزيز ضمن عدد من الإصدارات، بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس هذا الكيان المبارك، والذي أفردت فيه صفحات الحديث عن موضي، ذكرت فيه مكانتها العلمية والدينية، وموقعها لدى زوجها الإمام محمد بن سعود، وأشارت كذلك إلى أن موضي هذه هي والدة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود. تقول الدكتورة دلال في مقالتها «منذ زمن زرقاء اليمامة، واليمامة ولود منجبة لنساء صنعن مجداً وفضلاً وإنجازاً، ومن أعماق التاريخ تقفز إلى الذهن وتستقر في المخيلة، «موضي بنت أبي وهطان من آل كثير» سيرة ناصعة بالحكمة والمعرفة ومسؤوليات الموقع، وتتراءى بموقفها السياسي أمام كل من يتعرض لتاريخ الدولة السعودية الأولى في مرحلة التأسيس. وهنا أدعو لابن بشر بالرحمة (مثلما فعل شيخنا حمد الجاسر) فقد كان الوحيد الذي تحدث عن هذه السيدة الفاضلة في إشارة موجزة، حملت مع اختصارها وإيجازها صورة رائعة لموقفها من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومن الشيخ نفسه حين قدومه إلى الدرعية، وكانت هي وراء تحالف زوجها الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية مع الشيخ المصلح محمد بن عبدالوهاب، وبهذا التحالف قامت أقوى دولة في شبه الجزيرة العربية، بها تغير التاريخ والواقع والمعاش.
وكان حديث ابن بشر عن موضي بعد خروج الشيخ محمد بن عبدالوهاب من العيينة إلى الدرعية، وعندما وصل إلى الأخيرة نزل عند عبدالله بن عبدالرحمن ابن سويلم وابن عمه حمد بن سويلم، فلما دخل على ابن سويلم ضاقت عليه داره خوفاً على نفسه من محمد بن سعود فوعظه الشيخ وسكن جأشه، وقال: سيجعل الله لنا ولكم فرجاً ومخرجاً، فعلم به خصائص من أهل الدرعية فزاروه خفية، فقرر لهم التوحيد فأرادوا أن يخبروا محمد بن سعود ويشيروا عليه بنزوله عنده ونصرته فهابوه، واتوا إلى زوجته وأخيه ثنيان الضرير، وكانت المرأة ذات عقل ودين ومعرفة. فأخبروهما بمكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه فوقر في قلوبهما معرفة التوحيد، وقذف الله في قلوبهما محبة الشيخ، فلما دخل محمد بن سعود على زوجته أخبرته بمكان الشيخ وقالت له: إن هذا الرجل ساقه الله إليك وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به فقبل قولها». وقبل محمد بن سعود قول موضي، ثم كان ما كان من أمر الاتفاق بينه وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكان الشيخ بدعوته فأل خير على محمد بن سعود الذي ناصر الدعوة صادقاً فنصره الله ودعم مكانته ونفوذه».
وتضيف الدكتورة دلال في نفس المقالة انه «بالرغم من أن من الباحثين من ينقض رواية ابن بشر ويفند دور موضي، بل ويلغيه تماماً، إلا أننا لسنا في الموقع الذي يتيح لنا الدخول في جدل بحثي معهم، ولكن ما يعنينا إذا ما اختلفنا معهم فهو التأييد لما قدمه ابن بشر، وأما إذا ما اتفقنا معهم فالتساؤل الذي يفرض نفسه - من ضمن التساؤلات العدة - لماذا ذكرها ابن بشر وهو ابن تلك الفترة الزمنية التي لا تتعرض لذكر النساء إلا عرضاً وعند الضرورة فالتاريخ للرجل وكذا الموقف، وسير المرأة لا تكون إلا لمن تفرض وجوداً لحياة، الأمر الذي يجعلنا نستنتج بأن موضي تجاوزت الاعتيادية في حياتها، وبخلاف الموقف السابق هناك أمر آخر أكده ابن بشر وهو «العقل والدين والمعرفة». ولقد مارست موضي دورها وتحملت مسؤولية ما ينتج عن ذلك كونها زوجة أمير المنطقة باستخدام عقلها الذي هو هبة من الله، وبه وسعت إلى تعميق معرفتها الدينية واشتعلت جذوة العلم في نفسها فكانت المعرفة، فغدت ذات شهرة ومكانة، وبهذه الدعائم الثلاث «العقل والدين والمعرفة» احتلت مكانة في قلب مجتمعها وزوجها، فلولا هذه المكانة لما قصدها بعض رجالات الدرعية ليخبروها بأمر الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولولا مكانتها في نفس زوجها لما استجاب لها. ولو لا ما سبق باجمعه لما ذكرها ابن بشر تخليداً في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد».
إن ما ذكره الأستاذ عبدالله العسكر وكذلك الدكتورة دلال الحربي يؤكد مكانة هذه المرأة ودورها في ذلك اللقاء الشهير الذي تم بين الإمامين، وهو تأكيد على حضور المرأة السعودية في كافة مناحي الحياة، منذ الدولة السعودية الأولى، وحتى عصرنا الحاضر.
يشاهد قصر مكتوب عليه قصر موضي بنت وهطان ال كثيري زوجة
الامام محمد بن سعود _ رحمه الله
واسم والدها كما سمعت هو سلطان ال عساف ال كثيري ولقبه وهطان
قال العلاّمة المؤرخ ابن لعبون
«انّ آل كثير من بني لام الذين منهم الملوك الشهيرة والبطون الكثيرة»
أما الأميرة موضي بنت أبي وهطان الكثيري من بني لام من طيء فهي زوجة الإمام محمد بن سعود، وأم أولاده عبدالعزيز وسعود وعبدالله وفيصل وصاحبة الموقف العظيم والمجد المؤثل في نصرة الدعوة السلفية وإيواء العالم الحبر الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - مجدد ما اندرس من معالم الشريعة المحمدية والملة الحنيفية ومحطم المظاهر الشركية. قَصّر المؤرخون في إعطاء هذه المرأة حقها من الذكر، ونحن نحاول أن نوفيها شيئاً يسيراً من حقها في هذه الأسطر التي شحَّ المؤرخون