القنـــــوه
**
يتميز السردية بالأخلاق الحميدة والشجاعة
يقول عنهم إبراهيم باشا والي مصر والشام في العهد العثماني:
(إنهم من أنبل وأجّل من سكن الاردن وبادية الشام وهم أهل ثراء وقوة).وأطلقت عليهم عدة القاب منها : الْقْنوَه (من القنا أي الرماح) ، و(مناغية الطيور) لفرط نباهتهم
وقد كان السردية لنبل أخلاقهم وكرم محتدهم محط اعجاب وتقدير كل من عرفهم ولذلك ارتبطوا بصداقات واحلاف حتى مع بعض حضر حوران وشرق الأردن وعقدوا حلفاً مع بني عقيل من ربيعة العدنانية وعقدوا صداقات مع بعض الأسر الشامية مثل عائلة الأطرش أمراء الدروز وعائلة المقداد بالإضافة إلى حلفهم مع العيسى وبن عريعر الخالدي و وابن صلال الجربا ، ومنهم القاضي رشيد السردي الذي عيّنه الإمام عبدالله بن سعود قاضياً على الحريق وحوطة بني تميم في الدولة السعودية الثانية وقد أشتهر بالإستقامة والذكاء.
و من الذين أكدوا صحة نسب السردية إلى محمد المهادي اللفتننت كولونيل فريدريك ج بيك في كتابه الشهير:
(تاريخ شرق الأردن وقبائلها) المطبوع عام 1935 ميلادي..
وقد أخذ هذا القول عن شهادات النسابة وكبار السن من قبائل البدو
كما أكد نسب السردية إلى محمد المهادي القحطاني كثير من كبار القبائل وعوارفها من كبارالسن وقد ذكر متعب بن بدر الشريم أنه كثيرا ماكان يسمع من الشيبان في حائل عندما ينزل السردية وهم بدو رحل في نواحي حائل أن السردية هم خلفة محمد المهادي القحطاني
ومن المعروف أن لفظ السردية هو لقب أو...صفة ُاطلق على هذه القبيلة الصغيرة وليس نسب، وقد سُموا بالسردية بسبب قلة عددهم مقارنة بالقبائل الأخرى التي كانوا يجارونها مثل عنزة وشمر ويقال سموا بالسردية لإن القبائل كانت تقول اللي يسردونه السرديه ما يشوف خير يسردونه بمعنى يقطعون جانبه بالسيف يقال في لهجات القبائل الشماليه فلان سَرَد فلان بمعنى ضربه ضربة خاطفة مباغتة مؤلمة .
والسردية في اللفظ تعني الشيء المنسرد أوالمقطوع طولياً يقال سرايد أي قطع خام أو قماش أنقطعت على طول الثوب ويقال سريده أو إنسرد الثوب ويقال بسبب أنهم الفئة المنسردة عن القبيلة الكبيرة قحطان.
وقد التصق بهم هذا الإسم... أما نخاوتهم في الحرب فكانت (القنوه) من (القنا) أي الرماح، وعلى رغم قلة السردية إلا أنهم خاضوا حروب شرسة مع مختلف القبائل وكانوا يسيطرون على المناطق الممتدة من حوران إلى البلقاء إلى شمال الحجاز والجوف. وقد وضعت الدولة العثمانية مالاً يُدفع لهم كل عام مقابل تأمين طريق الحجاج من المهاجمين وقطاع الطرق وقد ظل السردية مسيطرين على المناطق التي ذكرتها أعلاه لمدة تقارب أربعمائة عام ولم يهزمهم إلا تكاثر القبائل ضدهم في سعيها المستميت لفتح طريق يعبر بها إلى الشام هرباً من القحط والجدب في شبه الجزيرة العربية خاصة في نجد والحجاز. وقد قال خلف الأذن الشعلان في إحدى قصائده يصف مقتل أحد شيوخ السردية في حروبهم مع الرولة:
القنج اخذ من رايب الدم قرطوع
من عقب شربه للقهاوي على فراش
خللي عشا لمهرفل الذيب مجدوع
والضبعه العرجا تدور اعراش
والقنج لفظ بدوي وتعريب لكلمة (الكنج) التي كان يطلقها العثمانيين والبريطانيين على شيخ السردية ابن فواز وهو أو من نودي بلقب المحفوظ وعُرف به ثم قلّده شيوخ العرب في ذلك. وصار الشيخ في بعض القبائل يُكنَّى بالمحفوظ وهي مثل الدعاء له بإن يحفظه الله. إجلالاً وتقديراً واتقاءاً لشره أيضاً!
وقد تقسّم السردية وتفرقوا بعد أن هزمتهم القبائل التي حاربتهم في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي ومن بقي منهم أسسوا لهم قرية في شرق الأردن أسموها (صبحاء) ومازالوا مقيمين بها إلى الآن. ومنهم أسر في السعودية والخليج
ولا يفوتنا أن نؤكد أن الخلاف الذي وقع بين السردية بقيادة( القنج )الكنغ وبين العثمانيين وصدامهم معهم هوأيضاً من أسباب إضعافهم وتقليص نفوذهم في حوران وشرق الأردن وشمال السعودية فلقد كان بين السردية والدولة العثمانية إتفاق يقضي بإن يحمي فرسان السردية طريق الحج الشامي من الشام إلى مكة المكرمة مقابل رواتب سنوية يدفعها الوالي العثماني ولكن الوالي العثماني بإيعاز من بعض البشوات الذين حرضهم بعض شيوخ القبائل الشمالية ضد السردية كتبوا إلى الوالي العثماني يقدحون في حق السردية ويطالبون بعدم دفع شيء لهم وعدم الإستمرار في الإتفاق معهم مما أغضب السردية الذين كانوا يريدون طريقة ينتقمون فيها من البشوات الذين حرضوا الوالي ضدهم بلا ذنب ولما وصلتهم أخبار أن بعض البشوات والضباط الأتراك مع قافلة حجاج ذاهبين إلى الحجاز لحق بهم السردية وهاجموهم وقتلوا المسؤولين الأتراك وحراسهم ونهبوا القافلة في شمال الحجاز وقد سمي المكان الذي جرت فيه الواقعة السردي وهو الآن مركز حكومي إسمه (مركز السردي) في نواحي المدينة المنورة. هناك .
وإذا وصلنا إلى السردية اليوم نجد أن ليس كلهم من نسب واحد (قحطان) بل فيهم فروع من عدنان وترجع إلى عنزة تحديداً مثل الصقر والنعمة والمخاريز وآل علي ثاني أما العون فهم من الظفير وقد لجأوا إلى السردية بعد حرب وقعت بين بني صخر وقبيلة الظفير في موقع يُسمى الشجرات بالقرب من الأزرق وقتل في هذه الموقعة سلطان بن سويط شيخ الظفير وما زال في مكان مقتله غدير يسمى غدير السلطان بعدها هرب الظفير إلى العراق ولجأ منهم ابن عون إلى السردية، وكذلك فيهم فرع من البقوم وفيهم الشبيل من بني خالد والتبينات من شمر والبدارين أما السردية الأصليين
فهم الفواز والمرهي والدلماز. والفواز هم شيوخ السردية وهم أبناء القنج.
وكان المرهي أقرب السردية إلى الفواز ويرجّح أنهم هم أبناء محمد المهادي لإن المحفوظ أو القنج هو من طيء من قحطان وهو شيخ السردية ولكن محمد المهادي لم يكن شيخ على السردية إلا لمدة بسيطة لا تتجاوز الثلاثة أعوام في عام 1656ميلادي بسبب مقتل كبار الفواز في إحدى الحروب ولم يبق من البيت الفوازي إلا صغار السن وقد أحدثت شيخة المهادي حساسية وخوفاً في نفوس الفوازيات وأبناءهن خوفاً على ذهاب الشيخة من الفواز مما جعلهم بعد ذلك يتشاحنون هم والمهادي ولكن المهادي ترك الشيخة للفواز بعد أن تولاها أحد الشباب منهم ،وقد ذكر بعض كبار السن من السردية ومن القشعم في الأردن أن المرهي قد كانوا شيوخاً على السردية لفترة من الزمن والمرهي يعود نسبهم إلى مرهي بن عبدالله (الخطيب ) بن شلاش بن فلاح بن محمد. وقد تزوج مرهي امرأة عنزية من ولد سليمان ما زال بعض من أهلها في (القريات) شمال السعودية إلى الآن وأنجبت له مليحان وشويشر وطلاّق ومنهم جاء المرهي الباقين حتى اليوم. وكان أشهر المرهي عبدالله الملقّب الخطيب وقد لقّب بالخطيب بسبب إجادته للقراءة والكتابة ومعرفته بالقرآن والفقه وكانت له بنت بارعة الجمال يتغنى بجمالها الفرسان إسمها (دغيما ) وعليها حداوة مشهورة منها :
يا دغيما يا بنت الخطيب أشقر طويل ٍ راسها
يا قرنه الاشقر رطيب مهره عريب ٍ ساسها
وكان مليحان وشويشر وطلاّق من الفرسان المعروفين في السردية ونخوة المرهي هي :
(القنوي راعي ريما)
.أما أشجع السردية وأكثرهم حنكة وثراءاً وشهرة فهم الفوّاز (القنوج ) شيوخ السردية وهم أخوال وبني خي لأشهر مشايخ القبائل مثل الفايز والزبن من شيوخ بني صخر والشعلان والمعجل من شيوخ عنزه
هذه محاولة لتسليط الضوء على قبيلة عريقة النسب... بُعدها الجغرافي عن منابتها الأولى في نجد... حرمها من حقها التاريخي. في معرفة الناس بأصولها... وهناك مخطوطات وملفات في اسطنبول لمن أراد البحث أكثر في تاريخ السردية فلها وقائع ومواقف مشهودة وسجلها المستشرقين والمؤلفين الأتراك والبريطانيين والألمان ولم يسجلها إلا قلة من المؤلفين العرب المهتمين بالإنساب وقد ارتكب ابن حقيل خطئاً في كتابه (كنز الإنساب) عندما نسب السردية إلى بني صخر... صحيح أن السردية وبني صخر يعودون في النسب إلى قحطان ولكنهم ليسوا من بعضهم في القريب.
**
وهذه قصيدة المهادي المشهورة التي حفظت للأجيال حكايته
يقول المهادي والمهادي محمد
وبه عبرةٍ جمل الملأ ما درابها
أنا وجعي مـن علةٍ باطنية
بأقصى الضماير ما دري وين بابها
تقد الحشا قد ولا تنثر الدماء
ولا يدري الهلباج عما لجابها
إن أبديتها بانت لرماقة العدا
وان أخفيتها ضاق الحشا بالتهابها
ثماني سنين وجارنا مجرمٍ بنا
وهو مثل واطي جمرةٍ ما درابها
وطاها بفرش الرجل لو هي تمكنت
بقى حرها ما يبرد الماء التهابها
ترى جارنا الماضي على كل طلبة
لو كان ما يلقى شهودٍ غدابها
ياما حضينا جارنا مـن كرامة
بليلٍ ولو بني الغبا مـا درابها
وياما عطينا جارنا من سبيّة
ليا قادها قوادها ما انثنابها
نرفا خمال الجار لو داس زلة
كما ترفا بيض العذارا ثيابها
ترى عندنا ****** القصير بها أربع
يحلف بها عقارها ما درابها
تنال بالمهادي ثمانٍ كوامل
تراقى وتشدي بالعلا من صعابها
لا قال منا خيرّ فـرد كلمة
بحضرة خوف الزرايا وفابها
الأجواد وان قاربتهم ما تملهم
والأنذال وان قاربتها عفت مابها
الأجواد وان قالوا حديثٍ وفوبه
والأنذال منطوق الحكايا كذابها
الأجواد مثل العد من ورده إرتوى
والأنذال لا تسقي ولا ينسقابها
الأجواد تجعل نيلها دون عرضها
والأنذال تجعل نيلها في رقابها
الأجواد مثل الزمل للشيل ترتكي
والأنذال مثل الحشو كثير الرغابها
الأجواد وان ضعفوا فيهم عراشة
والأنذال لو سمنوا معايا صلابها
الأجواد يطرد همهم طول عزمهم
والأنذال يصبح همها في رقابها
الأجواد تشبه قارةٍ مطلحبة
لا دارها البردان يلقى الذرابها
الأجواد مثل الجبال الذي بها
شربٍ وظلٍ والذي ينهقابها
الأجواد صندوقين مسك وعنبر
لا فتحت أبوابها جاك مابها
الأجواد مثل البدر في ليلة الدجى
والأنذال ظلماً تايهٍ من سرابها
الأجواد مثل الدر في شامخ الذرا
والأنذال مثل الشري مرٍ شرابها
الأجواد وإن حايلتهم ما تحايلوا
والأنذال أدنى حيلة ثم جابها
الأنذال لو غسلوا إيديهم تنجست
نجاسة قلوب ما يفيد الدوابها
يا رب لا تجعل بالأجواد نكبه
حيث لا ضاع الضعيف التجابها
أنا أحب نفسي يرخص الزاد عندها
يقطعك يا نفسٍ جزاها هبابها
لعل نفسٍ ما للأجواد عندها
وقارٍ عسى ما تهتني في شبابها
عليك بعين السيح لاجيت وارد
خل الخباري فإن ماها هبابها
ترى ظبى رمان برمان راغب
والأرزاق بالدنيا وهو ما درابها
لي ديرة ٍ مابين تيما والاجفر
شمال غميز الجوع ملقى هضابها
سقاها الولي من مزنةٍ عقربية
تنثر دقاق الماء في مثاني سحابها
لاامطرت ذي وارعدت ذي بساق ذي
سنا ذي وذي بالماء غارقٍ ربابها
نسف الغثا سيبان ماها ليا أصبحت
يمضي الحول والماء ناقعٍ في ترابها
دارٍ لنا ما هيـب دار لغيرنا
والأجناب لو حنا بعيدٍ تهابها
يذلون من دهما دهومٍ نجرها
نفجي بها غرات من لا درابها
ترى الدار كالعذرا ليا عاد مابها
حرٍ غيورٍ فكل من جاء زنابها
ياما وطن سمحات الأيدي من الوطا
وعدينا عنها من دنا من هضابها
تهامية الرجلين نجدية الحشا
عذابي من الخلان وأنا عذابها
له بياض عيون الماء منازل
عذب زلال الماء قراحٍ شرابها
سقاني بكأس الحب در منهله
عندلٍ من البيض العذارا أطنابها
أريتك ليا مسنا الجوع والظمأ
واحتر من الجوزاء علينا التهابها
وحما علينا الرمل واستاقد الحصى
وحما على روس المبادي هضابها
وطلّن عذارا من ورانا يشارفن
عماهيج مطوي العبايا ثيابها
ليا نزل منا في منزل هجر نولهـا
مراغيث تستن لولاك في عقابها
غرنا على البراق في جال تيماء
وأخذنا عليه ابلٍ طوالٍ رقابها
طوينا سقي الهلباج عن شمخ الذرا
جيناه مع داويةٍ ما درابها
قطعنابهم الحبل القصير وبيننا
صفون كما أفواه القوالي ارقابها
ولحقوا مغاويرٍ على كور حزّب
على رمك كن الظلام انكسابها
قلت اللهم لا بلّهم وابل الحيا
ولا جاذبوا بيض الترايب ثيابها
ليا سرت منا يا سعود بن راشد
على حرةٍ نسل الجديعي ضرابها
سرها وتلقى من سبيعٍ قبيلة
كرام اللحا في طوع الأيدي لبابها
فلابد ما نفجأ سبيع بغارة
على جرد الأيدي درعوها زهابها
عليها من أولاد المهادي غلمة
ولا طعّنوا ما ثنّوه في عقابها
وأنا زبون الجاذيات محمد
ليا عزّبوا ذود المصاليح جابها
اهبي عجوزٍٍ من سبيع بن عامر
ما علمت غرّانها في شبابها
لها ولدٍ ما حاش يومٍ غنيمة
سوى كلمةٍ عجفا تمزا وجابها
يعنونها عسمان الأيدي عن الخطأ
محالله دنيا ما خذينا القضابها
عيون العدا كم نوخن مـن جديلة
لا قام بذاخ السوالف يهابها
أنا أظن دارٍ شّد عنها مفرج
حقيقٍ يا دار الخنا في خرابها
وأنا أظن دارٍ نزل يمها مفرج
لابد ينبت الزعفران ترابها
فتى ما يظلم المال ألا وداعة
ولو يملك الدنيا جميعٍ صخابها
فتى يذبح الكوم وسديس وحايل
لا قيل يبزا زادها من عذابها
رحل جارنا ما جاه منا رزيّة
وان جات ما يأتيه منا عتابها
وصلوا على سيد البرايا محمد
عدد مالعا القمري بعالي هضابها
***
وقد لوحظ في السنوات الأخيرة كثرة المتقوّلين والمدعين بنسب محمد المهادي إليهم او العكس في قحطان الجنوب وغيرها ولكن هذا الكلام غير حقيقي فمحمد المهادي صحيح أنه في الأصل من قحطان التي منشأها الجنوب ومن المؤكد أن أصل أجداده من الجنوب لكنه شمالي المربا والمسكن والهوية وربما المولد أيضاً بدليل قوله :
لي ديرة ٍ مابين تيما والاجفر )
وبدليل ما ذكره المستشرقين عن نزوله في شرق الأردن عام 1650 كما ان من الواضح أن لمحمد المهادي إخوة بدليل قوله في القصيدة أعلاه :
(عليه من اولاد المهادي غلمه ...واذا طعنوا ما ثنوّه في عقابها )
ومن الغريب ما يقوله البعض أنه يقصد أرضه بقوله :
(تهامية الرجلين نجدية الحشا ...عذابي من الخلان وانا عذابها )
|