فقيه الكويت وفرضيّها الشيخ محمد بن سليمان الجراح السلفي - رحمه الله تعالى
لي صديق سئل عن ابن الجراح وقال لي يوجد شيخ كبير له مكانته عند ابن باز وغيره
ومعروف عند اهل الكويت , للاسف لم اكن اعرف عنه شيء و عدت للبيت بحثت في الانترنت
ووجدت هذه النبذه الوافيه عنه .
شيخ جليل وعالم كبير أكرم الله عزوجل به أهل الكويت وتشرفوا بانتسابه لهم ولوطنهم، تواضع لله فرفعه... وأنزل محبته على قلوب خلقه، جد واجتهد في طلب العلم إلى أن وصل مرتبة من العلم أهلته ليكون عالم الكويت وفقيهها وفرضيها، اتخذ من أحد أركان مسجده (مسجد السهول) بضاحية عبدالله السالم مكانا يستقبل فيه طلبة العلم لينهلوا من علمه الغزير إلى أن أصبح ذلك الركن منارة من منارات العلم والتحصيل الشرعي والذي يشار له بالبنان، واتخذ من منبره مكانا يرشد من خلاله الناس إلى خير العمل.
قال قبل وفاته بأيام قليلة: «إني طالب علم مقصر محب للعلم ولست بفقيه الكويت ولا فرضيها، وما قيل في من الإطراء فأنا بريء منه، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيرا مما يظنون».
أفضل من كتب ووثق عن هذا الشيخ الجليل هو الأخ الدكتور وليد عبدالله المنيس في كتابه (عالم الكويت وفقيهها وفرضيها الشيخ محمد بن سليمان آل جراح سيرته ومراسلاته وآثاره العلمية)، لذا رأيت أن يكون كتابه مصدرا رئيسيا لي للكتابة عن هذا العالم الكبير، حيث انه لازم شيخنا الفاضل سنوات عديدة.
محمد سليمان الجراح المعروف بـ (بن جراح)، تشرفت بدراسة بعض علوم اللغة العربية عنده بالإضافة إلى بعض الحكم والفوائد والمواعظ، والآن أتشرف مرة أخرى بنقل بعض مآثره وسيرته العطرة إلى أعزائي قراء «الوطن» الكرام.
اسمه ونسبه ومولده
هو العلاّمة الكريم الفاضل والشيخ الجليل العامل محمد بن سليمان بن عبدالله الجراح الحنبلي السلفي، وآل جراح هم من آل فضل، بطن من بطون بني لام، وبنو لام من طيء، وطيء من قحطان بن نبي الله هود عليه السلام، وجراحا هو من ولد فضل بن محمود بن ربيعة، وأبوه هو شبيب بن مسعود بن سعيد بن حرب بن الربيع، ويرجعون إلى ثعلبة البطن المعروف من طيء وهي قبيلة قحطانية ترجع إلى العرب العاربة، ولد الشيخ الفاضل في الكويت سنة 1322 هـ / 1902م أي بعد هجرة جده عبدالله بنحو أربعين سنة.
هاجر جده عبدالله مع أسرته من بلدة (حرمه) احدى قرى سدير في نجد إلى الكويت ثم الزبير وذلك في السنة التي هاجر فيها أهل حرمه إلى الزبير بسبب الجدب والجفاف عام 1282 هـ، وقد توفي جده عبدالله بعد وصولهم إلى الزبير بستة أشهر بحمى البصرة.
أما والده سليمان الجراح المتوفى سنة 1377 هـ فقد عمل بالتجارة وفتح دكانا بالسوق، وللشيخ محمد الجراح إخوة أكبرهم داود وإبراهيم وصالح، وله ثلاث أخوات.
دراسته وشيوخه في العلم
ابتدأ الشيخ الفاضل حياته العلمية وهو في سن العاشرة حيث تعلم القرآن الكريم في مدرسة ملا أحمد الحرمي الفارسي إلى قوله تعالى: (وَلًرَبًّكَ فَاصْبًرْ) من سورة المدثر الآية 7، ثم أكمل القرآن الكريم في مدرسة ملا محمد المهيني، وتعلم الكتابة والحساب وقسمة المواريث في مدرسة السيد هاشم الحنيان.
كان شديد الحرص على تحصيل أكبر قدر ممكن من العلم فحفظ في أول شبابه (الرحبية) في المواريث و(منظومة الآداب) و(الدرة المضية) للسفاريني و(متن دليل الطالب) في الفقه للشيخ مرعى الحنبلي، وكان الشيخ الجليل يذهب بعد صلاة الفجر إلى ساحل البحر متخليا عن الناس ليكرر دروسه، ومن شدة حرصه على التعلّم فقد حفظ (الدرة المضية) في العقيدة وتبلغ 220 بيتا في ثلاثة أيام.
أخذ الشيخ محمد الجراح مبادئ الفقه من قاضي الكويت العلاّمة الشيخ عبدالله الخلف الدحيان تلميذ عالم الكويت الأول وفقيهها الشيخ محمد عبدالله الفارس، وكان يحضر مجلسه لطلب العلم صباحا ومساء، حيث كان الشيخ عبدالله الخلف يقرأ في مجلسه بعد طلوع الشمس تفسير (ابن كثير) و(فتح الباري)، وبعد صلاة المغرب كان يقرأ كتبا متنوعة إلى صلاة العشاء.
وبعد وفاة الشيخ عبدالله سنة 1349 هـ لازم شيخنا الجليل محمد الجراح العلاّمة الشيخ عبدالوهاب عبدالله الفارس، فقرأ عليه أولا (متن دليل الطالب) حتى أكمله، ثم قرأ عليه (نيل المآرب بشرح دليل الطالب) حتى أكمله، ثم قرأ عليه (الروض المربع بشرح زاد المستنقع) حتى أكمله، ثم (شرح المنتهى) للشيخ منصور البهوتي، وكانوا يقرؤون بعد صلاة العشاء كتاب (كشاف القناع عن متن الإقناع)، ثم لازم صديقه العلاّمة الشيخ عبدالوهاب عبدالرحمن الفارس وقرأ عليه (الروض المربع) و(كشف المخدرات بشرح أخصر المختصرات).
وأخذ الشيخ محمد الجراح علوم اللغة العربية من الشيخ أحمد عطية الأثري والشيخ أحمد الحرمي والشيخ عبدالعزيز حمادة والشيخ محمد أحمد الحرمي والشيخ عبدالرحمن الفارسي والشيخ عبدالعزيز صالح العلجي والشيخ عبدالله الكوهجي.
لم يتوقف الشيخ الفاضل عن طلب العلم واستمر على نهجه وسعيه بين مجالس العلماء في أحياء الكويت، فأدى ذلك إلى رسوخ قدمه في العلم وبروزه من بين أقرانه.
ومن حرص الشيخ محمد الجراح على نقل خبرته لطلبة العلم أخذ يوجه لهم النصائح عن كيفية الاستعداد للدرس واستغلال وقت الدرس الاستغلال المناسب حيث كان يقول لطلبته (قبل ذهابك إلى دروس العلم عليك أن تقرأ الدرس وتفهمه جيدا، ولا تسأل شيخك حتى تبحث في المطولات وتتقصى مظان الإجابة حتى لا يضيع الدرس بكثرة الأسئلة التي لا طائل منها أحيانا، أما إذا استعصت المسائل عليك بعد ذلك كله، فاعمد إلى سؤال الشيخ لتعم الفائدة ويسهل عليك الفهم).
كان الشيخ الكريم محبا لقراءة الكتب، وكان يحب أن يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، وإذا عرض له كتاب يستحق القراءة أيضا ركنه جانبا حتى ينتهي من الكتاب الذي بين يديه، ولم يكن رحمه الله يترك قراءة الكتب إلا في شهر رمضان حيث كان ينكب على قراءة القرآن الكريم، وكان يحدّث الناس في هذا الشهر العظيم من كتاب (مجالس رمضان) للشيخ عبدالله الخلف الدحيان بعد عصر كل يوم من أيام الشهر الكريم، وكانت تخنقه العبرة وهو يقرأ فيتحامل على نفسه لكي لا ينتبه إليه أحد دفعا للرياء عن نفسه وخاصة إذا تحدث عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الطاهرين رضوان الله عليهم وذكر أحوالهم وسيرهم العطرة.
وقد تتلمذ على يد الشيخ الجليل الكثير من طلبة العلم كبارا وصغارا وقد تبوأ بعضهم مناصب كبيره في دولة الكويت وحصل بعضهم على شهادات عليا في العلوم الشرعية والأدب والعلوم الأخرى.
حياته العملية
كان الشيخ الفاضل يأكل من عمل يده حيث فتح والده له ولإخوانه دكاكين للبيع والشراء في السوق، وتولى الشيخ محمد الجراح رحمه الله وظيفة الإمامة في مسجد العثمان في حي القبلة بعدما توفي الشيخ يوسف بن حمود سنة 1365 هـ باستخلاف منه، كما عمل في الخطابة في مسجد البدر في حي القبلة، ولما أزيل المسجد صار خطيبا في مسجد العثمان ولما أزيل مسجد العثمان صار خطيبا في مسجد الساير القبلي، وبعد ذلك قام بالإمامة في مسجد السهول بضاحية عبدالله السالم والخطابة في مسجد المطير في نفس المنطقة والقريب من مسجد السهول، وعرض عليه الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس دائرة المحاكم آنذاك أن يتولى القضاء، واستشار صديقه وشيخه الشيخ عبدالوهاب عبدالله الفارس بالمنصب الذي عرض عليه فقال له: (من تولى القضاء فقد ذُبح بغير سكين) وكذلك قد ردد الشيخ عبدالوهاب هذه المقولة عندما عرض عليه القضاء، فرفض الشيخ محمد هذا المنصب بأدب ولباقة.
ذهابه الى الحج
حج الشيخ الفاضل خمس حجات كانت أولاهن فرضه بصحبة والده سليمان في سنة 1365 هـ، والثانية عام 1367 هـ نيابة عن أمه وأقام بمكة 3 شهور يلتقي خلالها العلماء وطلبة العلم هناك، والثالثة كانت سنة 1371 هـ نيابة عن جدته أم والده وكانت جميع هذه الرحلات على ظهور الإبل، أما الرابعة فكانت نيابة عن عمه محمد، والخامسة وهي الأخيرة نيابة عن شخص.
وكان من بين العلماء الذين يلتقي بهم الشيخ الفاضل، الشيخ محمد بن مانع المدير العام للمعارف آنذاك بالمملكة العربية السعودية، والشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ محمد عبدالرزاق حمزة إمام الحرم المكي آنذاك، والشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رئيس هيئة الأمر بالمعروف بنجد والمنطقة الشرقية سنة 1345 هـ، والشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة، والشيخ عبدالله بن حميد الذي تقلد عدة مناصب ومنها رئيس الرئاسة العامة والإشراف الديني على المسجد الحرام ومدرس بالمسجد الحرام ومفتيا وقاضيا ورئيسا للمجلس الأعلى للقضاء وعضوا بهيئة كبار العلماء ورئيسا للمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وكانت له مع الشيخ محمد الجراح مراسلات علمية نافعة.
خصال الشيخ الحميدة
تولى الشيخ الإمامة والخطابة من عام 1365 هـ أي انه عمل طوال 51 عاما من حياته في هذه الوظيفة العظيمة، وكان يحرص على أداء الصلاة إماما مهما بلغ منه العذر من مرض أو وجع، وفي بعض الأحيان يؤم الناس وهو عليل جدا.
كانت صلاته في الناس وسطا، فلا هي طويلة مملة ولا هي قصيرة مخلة، وكان في صلاته يكثر من قراءة آخر سورة البقرة وسورة الإنسان وآخر الكهف وقصار السور، وكان لا يتكلف في القراءة ولا يخرج عن المشروع كما يفعل البعض هذه الأيام هداهم الله، وكان كثيرا ما يستشهد بقراءة شيخه الشيخ عبدالله الخلف الدحيان قائلا: (لم تسمع أذناي قراءة مثل قراءته خاصة في قيام رمضان)، وكان كثيرا ما ينكر على من يتكلف المدود والتغني الخارج عن المألوف، بل كان يحذر من ذلك.
كان الشيخ الجليل يخطب من خطب الشيخ عبدالله الخلف وكانت خطبته قصيرة وتمتاز بالبلاغة وجمال السبك وترابط المعاني وحسن الاستشهاد والسجع البعيد عن التكلف، وكان يحرص على أداء الخطبة بصوت وأداء معينين، وكان يبكر في الصلاة وكثيرا ما يقرأ فيها سورتي الأعلى والغاشية عملا بالسنة النبوية المطهرة.
ومن خصاله وصفاته الحميدة هي كثرة ملازمته للمسجد طوال يومه وليلته، بل معظم أيام حياته كما يعرفه عنه أهل الكويت، وكان يبيت بالمسجد أياما متتالية خاصة في السنوات الأخيرة من عمره لمرضه ولمشقة الخروج باستمرار إلا لحاجة ضرورية، وفي المسجد يباشر الشيخ الفاضل كافة أنشطته وأعماله الخيرة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتدريس العلم والإفتاء وقراءة الكتب وعقد الزواج حيث أن الكثير من الكويتيين يتشرفون ويتفاخرون بعقد القران لديه.
كان الشيخ الجيل حريصا على الاستزادة من العلم ما وسعه ذلك بل لا تكاد تراه إلا وبيده كتاب نافع يقرأ منه أو رسالة علمية، أو يفتي مستفتيا أو يتدارس مسألة مع عالم أو طالب علم، وكانت أدواته المتصلة بالعلم عبارة عن بضعة أقلام ومجلس صغير في زاوية المسجد الخلفية، وكان له طاوله صغيره من خشب يستخدمها للكتابة صنعها بنفسه.
كان الشيخ محمد الجراح إذا شرع في الدرس اعتدل في جلسته بحيث ينظر إليه طلبته، وأمسك الكتاب بطريقه تدل على توقيره لكتب العلم، فلا يضعه على الأرض أو يقلل من شأنه، فكان يقبض أصله باليد اليسرى ويقلب أوراق الكتاب بيده اليمنى ويفتتح الدرس بقول: (بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله)، وإذا انتهى من درسه صلى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقال (والله أعلم)، وكان هو الذي يقرأ من الكتاب وطلبته أمامه كلي معه كتابه، وسبب ذلك هو حتى يقف على كل كلمة فيه وحتى يعرف طالب العلم كيف تقرأ كتب العلم وكيف تفك عباراتها، وكان لا يتصفح الكتاب كثيرا حاله كحال العلماء الكبار، وكان يضع وقفا عبارة عن قطعه صغيره من الورق على المكان الذي انتهى من قراءته، وكان الشيخ الجليل يدرّس بعد العصر النحو وبعد المغرب فكان يخصصه للفقه، بالإضافة إلي اللغة العربية والمواريث والعقيدة.
كان الشيخ محمد يعلم طلبته الصبر على طلب العلم وعدم الاستعجال في الأسئلة قبل إتقان العبارات وفهم المقاصد، وكيفية الاعتناء بالكتاب والمحافظة عليه، وكيفية كتابة التعليق في الكتاب إن وجد وأين يكتبه، وكان يذكرهم بتحسين الخط واختيار القلم المناسب والابتعاد قدر المستطاع عن أقلام الرصاص وذلك لأنه يتلاشى ويمحى خطها مع مرور الزمن.
أخلاقه الكريمة
وكانت من أخلاقه توقيره للعلماء وتبجيلهم والثناء عليهم، فكان إذا دخل عليه أحدهم في زيارة قام له وأحسن استقباله وصافحه وتهلل في وجهه وكان يجلس أمامه كجلوس الطالب أمام شيخه، ولا يبدأ معه بالكلام حتى يتكلم ضيفه ويحاوره بأدب رفيع، ولا يفتح معه مسائل خلافية، وإذا دار الحديث في هذه المسائل لاطفه بطريقة تصرف كل خلاف، ولا يتحدث عن علمه أمامه أبدا بل يسأله وكأنه يريد الاستزادة منه، وكان يحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل الطرق والوسائل الممكنة والمشروعة.
كان عليه سحائب الرحمة والمغفرة يحرص على تطبيق السنة والأخذ بها في أقواله وأفعاله وهيئته، فكان يطلق لحيته ويحف شاربه ويأخذ منه كل أسبوع لصلاة الجمعة وكان ثوبه فوق الكعبين، ويحب لباس البياض في الصيف وحتى في الشتاء كان يلبس الغترة البيضاء الثقيلة، وكان يلبس الإزار تحت ثوبه على عادة أهل الكويت قديما.
ويذكر الأخ الدكتور وليد المنيس في كتابه عن هذا الشيخ الكبير: «ومن أدبه الجم أنه ذات مرة كان يقرأ على طلبته بابا أو فصلا من فصول الفقه في دروسه الأسبوعية وكان من بين الجلوس رجل فيه قصور عقل، وكانت العبارة التي يقرأها لها تعليق بالمكلفين وغير المكلفين، فلما بلغ في قراءته إحدى العبارات التي قد تمس الرجل الجالس، قرأها هكذا (الصغير وما عطف عليه...) ولم يقل (الصغير والمجنون)».
ورغم أن الشيخ محمد سليمان الجراح ميسور الحال بل يعد من الأغنياء إلا ان الشيخ الفاضل كان يميل الى الزهد وكان يبغض الشهرة وكان واضحا هذا الشيء من طعامه ولبسه ومعظم حاجياته، وكان رحمه الله أعزب لم يتزوج، وليس له خادم أو معاون وكان يتولى شؤون نفسه بنفسه.
مواقفه العظيمة في الصبر
مرّ الشيخ الفاضل بالكثير من الابتلاءات في حياته إلا انه كان صابرا محتسبا ولم يكن يشتكي لأحد إلا لله عز وجل، حيث كان فيه أثر بياض (برص) على وجهه ويديه وقدميه ولم يسمعه أحد يشكو من ذلك أو حتى يتأفف، وكان في أحد الأيام يسير مع صديقه الشيخ عبدالوهاب عبدالرحمن الفارس فصدمتهما سيارة وسقطا في حفرة مما تسبب في جرحهما، وكان من الطبيعي مقاضاة سائق السيارة لكنهما تنازلا عن حقهما عندما علما بانه كان في حالة سكر، فقد رأى الشيخان انه لا يليق بهما أن يقفا مع (سكران) في موقف واحد، فآثرا الصفح عنه وتركاه إلى حال سبيله.
وأثناء الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت صار معه احتباس بول وأجريت له عملية في الأيام الأولى من الغزو، كما أجريت له عملية لإزالة ماء العين بعد طرد الغزاة المحتلين وكثيرا ما تؤلمه عيناه فلا يبين ذلك على كل من يراه بل يتحمل، وقد تجلى صبره أثناء الغزو العراقي فلم يخرج ولم يغادر مسجده واستمر في الإمامة والخطابة حتى صرف الله الغزاة المحتلين، وكان يشجع الناس ويحثهم على الصبر والثبات وعدم الخروج من غير عذر شرعي ويبشرهم بقرب الفرج.
مراسلاته العلمية
كانت لدى الشيخ الفاضل الكثير من المراسلات العلمية القيّمة مع العديد من العلماء والفقهاء وطلبة العلم نذكر بعضا منها على سبيل المثال مع الشيخين عبدالرحمن السعدي وعبدالله بن حميد:
أولا: مراسلاته الى الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ـ1 وفيها سؤالان: الأول عن رواتب موظفي الدولة، والثاني عن ضم أوقاف المساجد.
ـ2 وفيها مسألتان: الأولى عن جواز أخذ إمام المسجد راتبا من وقف على معينين غيره، والثانية عن صحة إمامة الفاسق.
ـ3 وفيها سؤال عن مصارف الوقف وغيرها.
ـ4 وفيها سؤال عن مراد الأصحاب في التوسل بالصالحين.
ـ5 سؤال عن مسألة النيابة في بعض الحج ومسألة استعمال الذكور المنسوج بالفضة.
ـ6 سؤال عن مسألة تأخير صيام ثلاثة الايام للمتمتع، ومسألة هدى التمتع عن وقته.
ـ7 سؤال عن حكم تعدد الجمع في البلد الواحد.
ـ8 سؤال بشأن حكم خلع أسنان التركيب عند الوضوء والغسل.
ـ9 سؤال بشأن حكم الجماع بعد التحلل الأول وقبل الثاني.
وقد أجاب الشيخ عبدالرحمن السعدي الشيخ الفاضل بكل ما سبق إجابات وافية وكافية.
أما مراسلاته مع الشيخ عبدالله بن حميد فقد كانت ما يلي على سبيل المثال:
ـ1 سؤال عن مسألة مصارف بيت المال ومسألة تشكيل إدارة للأوقاف.
ـ2 سؤال عن حكم تعدد الجمع لحاجة.
ـ3 من الشيخ محمد الجراح الى الشيخ ابن حميد في النهي عن تعدد الجمع إلا لحاجة.
ـ4 رد من الشيخ ابن حميد حول الرسالة السابقة وقد حازت على إعجابه وأثنى عليها ومدحها.
هذا ولدى الشيخ الفاضل العديد من المراسلات الأخرى مع الشيخ عبدالعزيز بن قاسم حمادة، والشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ مفتي السعودية في حينه، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية السابق، وآخرين غيرهم من علمائنا الأجلاء.
رسائله العلمية
كان الشيخ محمد الجراح حريصا على نشر علمه لعامة الناس لكي يستفيدوا منه في حياتهم، وكانت جميع رسائله العلمية مدعّمة بالحجة والدليل وذلك على كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الرسائل عبارة عن نصائح وفوائد من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد علقها على جدران مسجده، ونذكر منها على سبيل المثال:
ـ1 رسالة في الانتفاع بالوقت.
ـ2 رسالة في مضار النوم بعد صلاة الفجر وبعد العصر وبعد صلاة المغرب.
ـ3 رسالة في الترغيب في طلب العلم والترهيب من الجهل.
ـ4 رسالة فيمن يكره السلام عليهم ولا يجب عليهم رد السلام على من سلم عليهم.
ـ5 رسالة في حكم تصوير ذوات الأرواح هل هو محرم أو مباح.
ـ6 رسالة في حكم تزيين القبور ورشها ورفعها.
ـ7 رسالة في مسألة الخضر عليه السلام وأثره الموجود في جزيرة فيلكا.
ـ8 رسالة في تفسير كلمات التشهد.
ـ9 رسالة في كيفية الصلاة على الميت.
ـ10 رسالة في حكم كشف وجه المرأة وكفيها للأجانب.
ـ11 رسالة في حكم التعليم المختلط.
وهناك العديد من الرسائل والفتاوى الأخرى للشيخ الفاضل رحمه الله رحمة واسعة.
مؤلفاته
لم يصنف الشيخ الفاضل مؤلفا في الفقه او الفرائض، بل كانت مؤلفاته عبارة عن رسائل وفتاوى أو تعليقات، ومنها:
- منسك مختصر للحج.
- منسك مطول ويشتمل على: سلاح الناسك في أدعية المناسك، وكفاية الناسك لأداء المناسك.
- ورد مختصر من كلام الله تعالى وكلام سيد البشر صلى الله عليه وسلم.
مرضه ووفاته
استمر الشيخ الفاضل في سعيه الدؤوب في تحصيل العلم وتوصيله باذلا جهده ووقته وصحته حتى مشارف سنة 1416 هـ، فمنذ تلك السنة تتابعت أعراض المرض عليه وظهرت علامات الإرهاق والسن عليه بوضوح حتى بلغ عمره حينها خمسة وتسعين عاما، إلا انه ظل متماسكا ومحافظا على إمامة المصلين والخطابة.
في شهر رمضان المبارك سنة 1415 هـ تتالى عليه المرض ومر عليه شهر شوال وبين يديه بعض الأدوية التي وصفها له الطبيب، فلم يستطع أن يصوم «الست» من شوال كعادته رحمه الله.
ذكر الأخ الدكتور وليد المنيس في كتابه عن هذا الشيخ الجليل: «ثم تتابع المرض على الشيخ، وسمعته لأول مرة يقول (لم يعد لي حاجة في صلاة الجمعة) يريد أنه لم يعد قادرا على أداء الخطبة والصلاة بالناس في يوم الجمعة، وكان ذلك مساء الخميس قبل صلاة العشاء في 14 ذا الحجة 1416 هـ، وسمعته مره أخرى في 18 ذا الحجة 1416 هـ يكرر نفس المقولة (أنا مستعفي من الخطبة)، وقال لأحد طلبته (اذهب إلى وزارة الأوقاف اليوم وقل لهم ذلك)».
بعد ذلك زادت أعراض المرض على الشيخ الفاضل وأدخل المستشفى لأكثر من مرة وساءت صحته كثيرا، فأدخل المستشفى بتاريخ 9 جمادي الأولى 1417 هـ وهو شبه غائب عن الوعي، وفي فجر الخميس 13 جمادي الأولى سنة 1417 هـ الساعة الرابعة فجرا توفي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
وقد كان وقع وفاته عظيما على أهله وطلبته وأصحابه وعلى كل أهل الكويت، وكان يوم دفنه يوما مشهودا حضره كثير من الناس.
بعض المراثي التي قيلت في شيخنا الفاضل
(مطلع مرثية الشيخ الأديب ابراهيم الجراح)
ماكنت أحسب أن تطول حياتي
حتى أراك سبقتني بممات
قد كنت أرجو أن أفوز بدعوة
مبرورة لي منك أو بصلاة
فسبقتني ضيفا لربك للذي
يقري النزيل لديه بالجنات
عشنا جميعا مذ ولدنا لم نكن
نخشى التفرق أو نرع بشتات
(مطلع مرثية الأستاذ الأديب عبداللطيف الديين)
كذا الأيام ليس لها قرار
وعمر المرء فيها مستعار
تصول جيوشها دوما علينا
كأن بها إذا هجمت سعار
طوارقها تغادي أو تماسي
ولا ينجي من القدر الفرار
ولو كفت عن الأكدار يوما
سيمنعها من الحسنى نفار
(مطلع مرثية الشيخ أحمد غنام الرشيد)
نبأ أثار كوامن الأحزان
القاصي منه مكدر والداني
نبأ له في القلب وقع مؤلم
والطرف جاد بدمعه الهتان
قالوا حليف العلم سار مسارعا
للقا الغفور الواحد الديان
أعني به شيخ العلوم محمدا
طب القلوب إذا تصب بالران
فارس الفارس - جريدة الوطن
المصدر : سجل لمشاهدة الروابط
|