قراءة في (بني وائل في التاريخ) للرويلي( 1 ـ 2)
في مكالمة هاتفية تشرفت بها من قِبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - كان يعلق فيها على قصيدة نشرتها في هذه الجريدة، لست أدري كيف انشعب الحديث بنا إلى علم الأنساب الذي أعرف جيداً مدى تمكُّن سموه فيه، بل يعتبر مرجعاً مهماً في هذا المجال، إضافة إلى المعارف الكثيرة التي يعتبر سموه مرجعاً فيها كالتاريخ والأدب والموروث الشعبي والإعلام والسياسة و(علم الفراسة) الذي (يلم) به ويتقنه جيداً بل يتفرد به مع القليل القليل من الرجال في هذا العصر، على الرغم من أن هذا العلم يندرج تحت علم النفس.
أقول لست أدري كيف انشعب الحديث بنا إلى علم الأنساب وكيف تفرع ذلك (الانشعاب) إلى القبائل (الربعية) بالذات، وكيف انضوت تلك القبائل تحت الخيمة الوائلية وكيف انضوى أخيراً - أكثرها - تحت العباءة العنزية بالذات؟ وبالطبع كنت أصغي جيداً - مستغلاً - استرسال سموه في ذلك الإسهاب التاريخي الثر والثري بالمعلومات، وقد فسر لي سموه - حفظه الله - كل التحولات التاريخية بمسمياتها المرحلية لتلك القبائل التي أصبحت اليوم قبيلة واحدة.
وقد أشار علي - حفظه الله - أن أقرأ مسودة كتاب يتحدث في هذا المجال، وكان قد أحضره له الأخ والصديق وابن العم (هايل الايداء العنزي) لمؤلف اسمه (محمد بن عبد الله الرويلي) وهو ابن عم أيضاً يقطن مدينة طريف في الحدود الشمالية.
وبالطبع وصلني (الكتاب - المسودة) من الأخ هايل وقد قرأته جيداً ووضعت ملاحظاتي البسيطة عليه وكذلك تساؤلاتي القابلة للنقاش. ووضعت المسودة جانباً بانتظار صدور الكتاب، لأنه من السابق لأوانه أن تتناول عملاً لم يصدر بعد. فمن العُرف الإعلامي أو الصحفي تحديدا أن الكتاب حينما يكون في حوزة صاحبه قبل الإصدار فإنه يعتبر ملكاً لصاحبه، أما حينما يكون في حوزة القارئ بعد الإصدار فإنه يصبح ملكاً للقارئ، وللقارئ الحق في إبداء الرأي حوله. وبالفعل وصلني الكتاب مطبوعا بعنوان (بنو وائل في التاريخ) وهو عبارة عن (دراسة تاريخية شاملة في نسب قبيلة عنزة الحالية وعلاقتها بوائل ربيعة الشهير).
وقد صدر عن مكتبة التوبة في الرياض وهو يقع في 182 صفحة غير الفهرس، أما الفهرس فقد احتوى على الموضوعات التالية: (قبائل ربيعة تاريخها وديارها)، حلف اللهازم، قبائل ربيعة بعد الإسلام، قبائل ربيعة في العهد الأموي، قبائل ربيعة في العهد العباسي، (بنو وائل العنزيون العهد الجديد)، وائل في الموروث الشعري، أقوال المؤرخين في نسب عنزة. ثم الخلاصة التي احتوت على أهم النتائج التي توصل إليها الباحث وهي كما يلي:
أولاً: أن قبيلة عنزة قبيلة عربية صريحة النسب إلى ربيعة من نزار من معد بن عدنان لا شك في ذلك ولا جدال.
ثانياً: أن قبائل ربيعة كانت لحمة واحدة في ديارها مما يلي الحجاز حتى فرقتها الحروب، فانساحت إلى نجد فالبحرين وهجر ووقعت الحرب في مقتل جساس على يد كليب، فانقسمت جراء ذلك إلى فريقين متصارعين، الأول بقيادة بكر بن وائل وحلفائها (ضبيعه وعنزة وعبد القيس)، والثاني بقيادة تغلب بن وائل وحلفائها (النمر بن قاسط وغفيلة وعميره بن أسد) وقسم ثالث بقي على الحياد وهم بنو يشكر وبنو حنيفة وبنو هزان في اليمامة وعنز بن وائل واكلب بن ربيعة الذين دخلوا في قبائل اليمن، ونتيجة لهذه الأحداث فقد نجعت تغلب وحلفاؤها اثر هزيمتهم في حرب البسوس إلى سواد العراق، وتبعتهم بكر بن وائل وحلفاؤها بعد ذلك.
ثالثاً: بقيت ربيعة بعد الإسلام على حالها وسكنت ديارها المعروفة بديار ربيعة وناحية الموصل في ديار بكر وبرز حلف اللهازم الذي طغى على بكر بن وائل ومن دخل معهم من تغلب وغيرهم، وكان لربيعة أثرها الكبير في صدر الإسلام، ثم ما لبث أن تلاشى اسمها بعد ذلك ولم يعد لها دور يذكر في دولة بني العباس باستثناء الحمدانيين وإمارتهم في الموصل وحلب، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى القرن الخامس الهجري الذي شهد اضمحلال ربيعة واندثار مسمياتها القديمة وبروز اسم عنزة على مسرح الأحداث وتزعمها لربيعة مرة أخرى ثم الانتقال إلى خيبر حيث كانت البداية الحقيقية للوائليين (الجدد) لإعادة التاريخ وصناعة الأحداث من جديد.
رابعاً: بناء على ما سبق فإن قبيلة عنزة اليوم هي الامتداد الطبيعي لعشائر ربيعة وما زالت تحفظ أنها من وائل، ووائل هو وائل ربيعة الشهير (وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دعمي بن جديله بن أسد بن ربيعة بن نزار، فكل عنزي اليوم هو وائلي وكل وائلي هو عنزي ولا فرق بين الاثنين، لأن قبيلة عنزة القديمة دخلت في بكر بن وائل فصارت جزءاً من اللهازم البكريين.